ارتفعت رهانات الدبلوماسية الأميركية نحو مسار تفاوضي جديد مع موسكو، لكن دون اختراق عسكري لكييف. ففي زيارة هي الثالثة هذا العام للبيت الأبيض، أخفق الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في انتزاع تعهّد من الرئيس الأميركي دونالد ترامب بتزويد أوكرانيا بصواريخ كروز بعيدة المدى من طراز “توماهوك”، مع إبقاء الباب مواربًا أمام هذا الخيار “إذا لزم الأمر”.
وقال ترامب خلال اجتماع في قاعة مجلس الوزراء إن “التوماهوك سلاح قوي جدًا وخطير للغاية”، محذرًا من أن تزويد أوكرانيا به قد يقود إلى “تصعيد كبير” وتداعيات باهظة على الجيش الأميركي، في تلميح إلى أولوية الاحتفاظ بجزء مهم من المخزون لاستخدامات أميركية.
ولم يستبعد ترامب الخيار كليًا، لكنه أبدى تفاؤلًا بأن “ذلك لن يكون ضروريًا”، مستندًا إلى قناعته بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين “يريد إنهاء الحرب”.
ويشكل هذا الموقف انتكاسة لطموح كييف بشن ضربات عميقة داخل روسيا تقلّص قدرة موسكو على مواصلة الحرب.
وبعد خروجه من الاجتماع، قال زيلينسكي للصحفيين إنه “واقعي” حيال فرص الحصول على “التوماهوك”، لافتًا إلى أن التردد الأميركي يعود لمخاوف التصعيد ونفاد الصواريخ، لكنه أكد أنه لا يزال يسعى إلى “حزمة ضغط” على بوتين، تشمل قدرات دفاع جوي للتعامل مع الصواريخ الباليستية التي تستهدف البنية التحتية للطاقة.
زخم دبلوماسي… و”صفقة تجميد”؟
يعوّل ترامب على الزخم الذي اكتسبه بعد رعايته وقف إطلاق النار في غزة الأسبوع الماضي، كاشفًا عن مكالمة استمرت ساعتين مع بوتين، تمهيدًا لقمة مرتقبة في بودابست “خلال أسابيع”.
ونشر ترامب بعد اللقاء مع زيلينسكي رسالة دعا فيها إلى “اتفاق سلام يُجمّد الصراع على خطوط المواجهة الحالية”، مضيفًا: “حان الوقت لوقف القتل، فليُعلن كلا الطرفين النصر”.
من جانبه، وصف زيلينسكي ملف “التنازل عن الأراضي” بأنه “حساس للغاية وأصعب مسألة”، مجددًا موقف كييف: “نحتاج أولًا إلى وقف إطلاق النار”. ومع ذلك، قال إنه منفتح على لقاء بوتين إذا ضمنت التسوية أمنًا طويل الأجل “ذو معنى”.
أدوات ضغط بديلة: عقوبات ونفط و”ردع كلامي”
بالتوازي مع التردد إزاء “التوماهوك”، يستكشف البيت الأبيض مسارات ضغط أخرى.
وقال ترامب إنه حصل على “التزام” من الهند بوقف مشتريات النفط الروسي—وهو ادعاء لم تؤكده نيودلهي—فيما يستعد جمهوريون في مجلس الشيوخ لطرح مشروع عقوبات إضافية على موسكو خلال 30 يومًا.
وفي بروكسل، أدلى وزير الدفاع الأميركي بيت هيجسيث بأقوى تصريح له حتى الآن، متعهدًا بأن “روسيا ستواجه عواقب وخيمة” إذا واصلت التصعيد.
قراءة كييف: “بوتين يخشى الصواريخ بعيدة المدى”
أشار زيلينسكي إلى أن اتصال بوتين بترامب “كان بشأن منع أي حزمة تشمل صواريخ بعيدة المدى”، معتبرًا أن “روسيا خائفة… وتدرك ما يمكننا فعله”.
ونقل مسؤول أوكراني أن كييف ستواصل عرض كيف يمكن لـ“التوماهوك” وأنظمة الدفاع الجوي تغيير مسار الحرب، مذكرًا بأن هذه الصواريخ كانت “العمود الفقري” لضربات بحرية بعيدة المدى لعقود، وتستطيع التحليق على ارتفاع منخفض وتتبّع التضاريس لتفادي الدفاعات—وقد صُممت في الأساس لمواجهة مظلاتٍ سوفيتية لا تزال روسيا تستخدم تحديثاتها.
ويصف دبلوماسيون أوروبيون اللقاء المرتقب بين ترامب وبوتين بأنه “فرصة لزيادة الضغط على موسكو—سلام عبر القوة”، لكنهم يحذرون من اتفاق “تجميد” يمنح روسيا وقتًا لإعادة التموضع.
وأقر ترامب نفسه بأن احتمال مماطلة بوتين “وارد”، لكنه قال إنه لا يعتقد ذلك، مجددًا ثقته بقدرته على انتزاع صفقة.