تواجه الدول المنقسمة بسبب الصراعات التهديد الأعظم المتمثل في عودة ظهور فيروس شلل الأطفال وخفض التمويل العالمي بنسبة 30%، وهو ما قد يعوق بشدة الجهود الرامية إلى القضاء على المرض بحلول نهاية العقد.
ولا يزال شلل الأطفال البري متوطنًا في أفغانستان وباكستان، حيث أُبلغ عن انتقاله في المناطق الحدودية التي تشهد صراعًا عسكريًا. وهما آخر بلدين يتوطن فيهما شلل الأطفال البري، أي أنه لم يُقضَ عليه بالتحصين، ولا يزال قادرًا على الانتشار بين المجتمعات.
وقد أدت المناوشات عبر الحدود التي اندلعت في أكتوبر/تشرين الأول إلى زيادة التحديات التي يواجهها مسؤولو الصحة في توفير التطعيم الفعال لآلاف الأطفال في كابول وجلال آباد وخوست وبكتيكا.
وبمناسبة اليوم العالمي لشلل الأطفال، الذي يوافق 24 أكتوبر/تشرين الأول، قال خبراء عالميون إن جهود القضاء على شلل الأطفال لا تزال على المسار الصحيح، على الرغم من التراجع الناجم عن خفض المساعدات الدولية وتصاعد الصراعات في جميع أنحاء العالم.
وقال جمال أحمد، مدير مكافحة شلل الأطفال في منظمة الصحة العالمية: “بعد عدة سنوات من انخفاض أعداد الأطفال المصابين بالشلل بسبب شلل الأطفال البري إلى أدنى مستوياتها التاريخية، لا نزال نشهد بعض الظهور في باكستان وأفغانستان”.
ويعود هذا في المقام الأول إلى بعض التحديات في المناطق دون الوطنية على الحدود بين أفغانستان وباكستان. وترتبط هذه التحديات ارتباطًا وثيقًا بانعدام الأمن، وصعوبة الوصول إلى جزء من تلك المنطقة الجغرافية.
ويرتبط هذا أيضًا ببعض التحديات الأخرى، لا سيما في جنوب أفغانستان، بما في ذلك صعوبة الوصول إلى الأسر وتحديات التردد في التطعيم.
في الوقت نفسه، عند النظر عالميًا، نلاحظ أيضًا وجود أنواع مختلفة من فيروسات شلل الأطفال. وهي فيروسات شلل أطفال متنوعة اندمجت في فئات سكانية ضعيفة التحصين أو غير محصنة بعد استخدام لقاحات شلل الأطفال الفموية.
وقال الدكتور أحمد إن أكبر بؤر شلل الأطفال الحالية هي منطقة الساحل والقرن الأفريقي، وخاصة اليمن والصومال ونيجيريا وحوض تشاد.
وتواجه المبادرة العالمية للقضاء على شلل الأطفال، وهي شراكة تضم منظمة الصحة العالمية ومؤسسة جيتس، انخفاضًا في تمويلها بنسبة 30% في عام 2026، مما سيترك عجزًا قدره 1.7 مليار دولار أمريكي لبرامج التحصين حتى عام 2029.
ورغم هذه التوقعات، فقد حققت الجهود العالمية للقضاء على شلل الأطفال – الذي قد تكون له عواقب وخيمة على الأطفال – نجاحًا ملحوظًا بفضل جهود التطعيم.
وقد انخفض عدد حالات شلل الأطفال المُبلّغ عنها عالميًا بشكل حاد من 67,443 حالة عام 1981 إلى 539 حالة فقط عام 2023. وقد أنقذت حملات التطعيم الفعّالة آلاف الأرواح، وجنّبت آلافًا أخرى التعايش مع المضاعفات المرتبطة بالفيروس.
في حين أن الأشكال الخفيفة من شلل الأطفال قد تُسبب أعراضًا تُشبه أعراض الإنفلونزا وآلامًا عضلية، فإن الحالات الأكثر شدة والحالات التي تُترك دون علاج قد تتطور إلى الشلل.
وفي عام ٢٠٢٥، أصبحت السنغال وموريتانيا أول دولتين منخفضتي الدخل توزّعان لقاحات سداسية التكافؤ منقذة للحياة، وهي لقاح وقائي مركب يحمي من الدفتيريا والسعال الديكي والكزاز والتهاب الكبد الوبائي ب والتهاب السحايا، بالإضافة إلى لقاح منفصل ضد شلل الأطفال. وتولّت منظمة الصحة العالمية “غافي” تغطية التكاليف.
وقد استُخدمت اللقاحات السداسية في أوروبا والولايات المتحدة منذ بداية القرن. وللحد من تفشي المرض، لا بد من حملات تطعيم مماثلة، لا سيما في المناطق التي مزقتها الحروب.