أعلنت الحكومة البريطانية عن توقيع اتفاقية جديدة مع العراق تقضي بإنشاء آلية رسمية لإعادة المهاجرين العراقيين الذين وصلوا إلى المملكة المتحدة بشكل غير شرعي، وذلك في إطار خطتها الشاملة للحد من عبور القوارب الصغيرة عبر القناة الإنجليزية.
ووقع الاتفاقية وزير الداخلية البريطاني دان جارفيس خلال زيارة نائب وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين إلى لندن. ووصفت وزارة الداخلية البريطانية الاتفاق بأنها “خطوة إيجابية” ستتيح عودة سريعة للعراقيين الذين لا يملكون حق البقاء في البلاد. وأضافت أن الاتفاق يعكس التعاون المتنامي بين لندن وبغداد في قضايا الأمن والهجرة والجريمة المنظمة.
العراق مركز تهريب.. وبريطانيا تتحرك
تعتبر بريطانيا العراق – ولا سيما إقليم كردستان شبه المستقل – مركزًا رئيسيًا لعصابات تهريب البشر التي تدير عمليات العبور إلى أوروبا ومنها إلى بريطانيا. وتشير الإحصاءات إلى أن أكثر من 28 ألف مهاجر عبروا القناة الإنجليزية منذ بداية هذا العام، فيما تجاوز العدد الإجمالي 50 ألفًا منذ وصول حكومة حزب العمال إلى السلطة.
وكانت لندن قد أبرمت العام الماضي صفقة بقيمة 800 ألف جنيه إسترليني مع بغداد لدعم جهودها في مكافحة شبكات التهريب والجريمة المنظمة. كما وقعت هذا الشهر اتفاقية “واحد يدخل وواحد يخرج” مع فرنسا، تقضي بإعادة المهاجرين غير الشرعيين القادمين من السواحل الفرنسية مقابل استقبال طالبي لجوء لديهم روابط عائلية حقيقية في بريطانيا.
تعزيز أمني واستراتيجية أوسع
ضمن جهودها، توظّف بريطانيا مئات من ضباط إنفاذ القانون الإضافيين لتعقب شبكات التهريب. وأعلنت الوكالة الوطنية لمكافحة الجريمة عن تعيين 300 ضابط إضافي للعمل على استهداف قادة التهريب وتعطيل عملياتهم في الشرق الأوسط وأفريقيا وأوروبا.
وقال الوزير جارفيس إن “أفضل طريقة لمواجهة هذه الأزمة هي معالجة جذورها”، مشددًا على أن بلاده تبني “شراكات قوية” مع العراق وحلفاء آخرين لمكافحة الهجرة غير النظامية. وأشار إلى أن أعداد العراقيين الواصلين عبر القوارب الصغيرة انخفضت بالفعل إلى 1900 مهاجر حتى مارس/آذار الماضي، مقارنة بـ 2600 مهاجر في عام 2024.
انتقادات داخلية
ورغم الترحيب الحكومي، واجه الاتفاق انتقادات من المعارضة المحافظة. وقال وزير الداخلية في حكومة الظل، كريس فيليب، إن حكومة حزب العمال “استسلمت لحدودنا” وإن الاتفاقية مع العراق “هزيلة”، بحجة أن أعداد العراقيين بين المهاجرين عبر القوارب صغيرة نسبيًا، ومعظمهم مؤهلون للحصول على اللجوء.
وأضاف فيليب: “لقد عبر أكثر من 50 ألف مهاجر غير شرعي منذ وصول حزب العمال إلى الحكم، وهي أسوأ أزمة هجرة غير نظامية في تاريخنا. الشعب البريطاني هو من يتحمل التكلفة، من الجريمة المتزايدة إلى حالات الاعتداء الجنسي المروعة”.
أعباء مالية وقضائية
تواجه الحكومة البريطانية أيضًا انتقادات بسبب تكلفة إيواء طالبي اللجوء، حيث أنفقت نحو 5.7 مليون جنيه إسترليني يوميًا بين أبريل 2024 ومارس 2025، رغم انخفاضها عن العام السابق (8.3 مليون جنيه يوميًا).
كما تدرس بعض المجالس المحلية، مثل إيبنج فورست في إسيكس، إطلاق إجراءات قانونية لمنع استخدام الفنادق لإيواء المهاجرين. وقد حصل المجلس مؤخرًا على حكم قضائي مؤقت يمنع إيواء طالبي اللجوء في أحد الفنادق بعد احتجاجات محلية واتهام أحد النزلاء بارتكاب اعتداء جنسي على فتاة قاصر.
منظور مستقبلي
يرى مراقبون أن الاتفاقية مع العراق تمثل جزءًا من سياسة “تدويل الحلول” التي تنتهجها حكومة حزب العمال في ملف الهجرة، عبر تعزيز التعاون مع دول المنشأ والعبور. غير أن التحديات تبقى قائمة مع استمرار تدفق المهاجرين من دول أخرى، أبرزها ألبانيا وفيتنام، حيث وقعت بريطانيا اتفاقيات مشابهة لإعادتهم.
وقال جارفيس في ختام تصريحاته: “بصفتي شخصًا خدم في العراق، فإنني أدرك أهمية بناء شراكات دائمة في المنطقة. هذه الاتفاقية شهادة على الثقة المتبادلة، وخطوة جديدة نحو معالجة أزمة القوارب الصغيرة بشكل جذري”.