تواصل المملكة المتحدة دعم العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة من خلال تنفيذ طلعات جوية استخباراتية فوق القطاع، في وقتٍ تواجه فيه إسرائيل اتهامات متصاعدة بارتكاب جرائم إبادة جماعية، وموجة غضب دولي بسبب المجاعة الهائلة التي تضرب السكان المدنيين.
وأكدت وزارة الدفاع البريطانية أن طلعات المراقبة الجوية “لا تزال جارية” رغم توتر العلاقات السياسية بين لندن وتل أبيب، مشيرة إلى أن المعلومات التي يتم جمعها تُشارك مع إسرائيل “في إطار جهود البحث عن الرهائن”.
تقنيات متقدمة ومهام استخباراتية
تستخدم القوات البريطانية طائرات تجسس مزوّدة بتكنولوجيا عالية الدقة قادرة على تتبع التحركات الأرضية، وفحص القوافل والمركبات والمباني بدقة متناهية، بل ويمكنها التكبير لتحديد تحركات فردية داخل أحياء مكتظة مثل تلك المنتشرة في غزة.
وبحسب تقرير التايمز، فإن طائرات “شادو”، التي تتبع السرب الرابع عشر في سلاح الجو الملكي البريطاني، كانت تقود هذه المهام من قاعدة وادينغتون في لينكولنشاير. وتحمل الطائرات شعار السرب مكتوباً باللغة العربية مقتبسًا من القرآن: “وأفوض أمري إلى الله”، في دلالة أثارت انتقادات واسعة.
ورغم عدم رصد هذه الطائرات في الأيام الأخيرة، تقول مصادر من سلاح الجو الملكي إن المهمة لم تتوقف، بل يُرجح أن تكون أنواع أخرى من الطائرات قد تولّت المسؤولية، من بينها طائرات “بوسيدون P8″ البحرية و”ريفيت جوينت” للمراقبة الإلكترونية، القادرة على التقاط الإشارات والرادارات والاتصالات الأرضية.
دعم ميداني في ظل الاتهامات
في الوقت الذي تعلن فيه الحكومة البريطانية عن موقف متشدد تجاه ممارسات إسرائيل ضد الفلسطينيين، تؤكد الوقائع استمرار التعاون الأمني والعسكري عبر القنوات الاستخباراتية.
وتقول الحكومة البريطانية إن أهداف طلعات المراقبة تقتصر على البحث عن الرهائن الإسرائيليين الباقين في غزة، الذين يبلغ عددهم بحسب تل أبيب تسعة وأربعين شخصًا، بينهم عشرون يُعتقد أنهم لا يزالون على قيد الحياة، أحدهم يحمل الجنسية البريطانية جزئيًا.
لكن الجنرال البريطاني المتقاعد تشارلي هيربرت عبّر عن شكوك واسعة في اقتصار استخدام المعلومات الاستخباراتية على ملف الرهائن فقط. وقال في تصريحات صحفية:
“من السهل الادعاء أن هذه المعلومات تُستخدم فقط للعثور على الرهائن، لكن الواقع هو أن هذه البيانات تُستخدم على الأرجح في العمليات الهجومية ضد أهداف تتبع حماس أو فصائل أخرى.”
صمت رسمي حول الشركات الخاصة
ورغم تأكيدات وزارة الدفاع باستمرار المهام، لم تُجب الحكومة حتى الآن عن سؤال أساسي: هل يجري التعاقد مع شركات خاصة لتنفيذ هذه الطلعات في ظل غياب طائرات شادو؟
ويتخوف نشطاء من إمكانية خصخصة جمع المعلومات فوق قطاع غزة من خلال شركات أمنية خاصة تعمل خارج الأطر الرقابية، بما يزيد من غموض دور بريطانيا في الحرب الجارية.
جدل أخلاقي واتهامات دولية
تأتي هذه التطورات في وقتٍ تواجه فيه إسرائيل حملة انتقادات دولية واسعة بسبب الجرائم المرتكبة في غزة، التي أودت بحياة أكثر من واحد وستين ألف فلسطيني بحسب وزارة الصحة في غزة. وتشير تقارير أممية إلى تفشي المجاعة في القطاع، خصوصاً بين الأطفال والنساء وكبار السن.
ورغم أن بريطانيا فرضت عقوبات مؤخراً على وزراء إسرائيليين من اليمين المتطرف، وأعلنت نيتها الاعتراف بدولة فلسطين إذا لم يتحسن الوضع الإنساني، فإن استمرار التعاون العسكري مع إسرائيل يطرح تساؤلات حول ازدواجية الموقف البريطاني.
وصرّح وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي بأنه “مذهول ومشمئز” من مشاهد إطلاق النار على مدنيين فلسطينيين جائعين أثناء محاولتهم الحصول على الطعام، لكنه لم يربط هذا السلوك بموقف واضح تجاه الطلعات الاستخباراتية التي تستمر حتى اليوم.
دور استخباراتي في ظل خطة إسرائيلية جديدة
بالتزامن مع هذا التعاون البريطاني، يستعد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لإعلان خطة محدثة للحرب على غزة، تشمل احتمال “احتلال كامل” للقطاع، وفقًا لما أوردته وسائل إعلام إسرائيلية. ويُعتقد أن البيانات الاستخباراتية التي توفرها بريطانيا تلعب دورًا مهمًا في تغذية هذه الخطة.
من جهته، قال وزير الجيش الإسرائيلي يوآف غالانت إن “هزيمة حماس وتأمين الأسرى هما الهدفان الأساسيان”، مضيفًا أن “جميع الإجراءات اللازمة” ستُتخذ لتحقيق ذلك.
وبينما تظهر بريطانيا في العلن كدولة تدين جرائم إسرائيل في غزة، تؤكد تحركاتها العسكرية والاستخباراتية أنها لا تزال حليفًا صامتًا في الظل، توفر الدعم التقني والمعلوماتي لإسرائيل في وقت تواجه فيه الأخيرة اتهامات بارتكاب إبادة جماعية وتجويع جماعي للسكان المدنيين.
هذا التناقض بين الأقوال والأفعال يضع بريطانيا في موقف حرج أخلاقيًا وقانونيًا، وسط تساؤلات مستمرة: هل تراقب بريطانيا المجازر من السماء؟ أم تساعد في تنفيذها؟