بروكسل تطلق أول خطة أوروبية للإسكان الميسور وسط تحذيرات من صعود اليمين الشعبوي

by hayatnews
0 comment

تستعد المفوضية الأوروبية هذا الأسبوع للإعلان عن أول خطة شاملة للإسكان الميسور على مستوى الاتحاد الأوروبي، في خطوة تعكس اعتراف بروكسل المتأخر بحجم أزمة السكن التي تضرب القارة من لشبونة إلى تالين، وتهدد الاستقرار الاجتماعي والسياسي في عدد متزايد من الدول الأعضاء.

وقال مفوض الإسكان الأوروبي دان يورغنسن إن أوروبا تواجه “أزمة حقيقية” لم يعد من الممكن التعامل معها عبر التصريحات وحدها.

وحذر من أن التقاعس عن اتخاذ إجراءات ملموسة لن يؤدي فقط إلى تعميق معاناة ملايين الأوروبيين، بل سيمنح الأحزاب الشعبوية اليمينية المتطرفة فرصة إضافية للاستثمار السياسي في الغضب الاجتماعي المتصاعد.

وأوضح يورغنسن، في تصريحات إعلامية، أن الخطة الجديدة ستكون مزيجاً من إجراءات تنفيذية على مستوى الاتحاد الأوروبي وتوصيات عملية يمكن للحكومات الوطنية والإقليمية والمحلية تطبيقها مباشرة، رغم أن الإسكان لا يقع تقليدياً ضمن الاختصاصات الصريحة للاتحاد.

ويتمثل أبرز إجراء ملموس في الخطة في مراجعة قواعد “دعم الدولة”، بما يسمح للحكومات باستخدام الأموال العامة بشكل أوسع لبناء مساكن بأسعار معقولة.

فحتى الآن، كانت اللوائح الأوروبية تقيّد هذا الدعم ليشمل فقط الأسر ذات الدخل المحدود، في حين باتت أزمة السكن تطال بشكل متزايد أصحاب الدخل المتوسط، الذين لم يعودوا قادرين على شراء أو استئجار منازل في المدن الكبرى.

وبحسب المفوضية، فإن التعديل المقترح سيفتح المجال أمام ضخ سيولة عامة في مشاريع إسكان تخدم شرائح أوسع من المجتمع، دون الاصطدام بقيود المنافسة داخل السوق الأوروبية الموحدة.

وتتضمن الخطة أيضاً أدوات جديدة لمواجهة التأثير المتزايد للإيجارات قصيرة الأجل، ولا سيما الشقق السياحية التي تديرها منصات رقمية، والتي ساهمت في تفاقم أزمة السكن في مدن مثل برشلونة وفلورنسا وبراغ.

وأكد يورغنسن أنه لا يدعو إلى حظر هذه الظاهرة بالكامل، معترفاً بأنها وفرت دخلاً مهماً لبعض العائلات وسمحت للسياح بخوض تجارب محلية مختلفة.

لكنه شدد على أن النمو غير المنضبط لهذا القطاع حوّله في بعض المناطق إلى “آلة لجمع المال”، حيث تشكل الإيجارات قصيرة الأجل ما يصل إلى 20 في المئة من إجمالي المساكن في أحياء تعاني أصلاً من نقص حاد.

وستُترك مسألة تفعيل القيود بيد السلطات الوطنية والمحلية، إذ تؤكد المفوضية أنها لن تفرض حلولاً موحدة، لكنها ستوفر الأدوات القانونية والتنظيمية لمن يرغب في التدخل.

وفي سابقة لافتة، تتطرق الخطة الأوروبية أيضاً إلى مسألة المضاربة في سوق الإسكان، حيث باتت العقارات تُعامل في كثير من الأحيان كأصول مالية شبيهة بالذهب أو العملات الرقمية، بدلاً من كونها حقاً أساسياً من حقوق الإنسان.

ويرى يورغنسن أن هذا التحول أسهم في إخراج السكن من متناول شرائح واسعة من المجتمع. وستبدأ المفوضية بخطوة أولى تتمثل في تتبع حجم المضاربة وجمع البيانات حولها، تمهيداً لنقاش سياسي أوسع حول سبل تنظيم هذا القطاع، رغم إقراره بأن التوافق الأوروبي في هذا الملف سيكون صعباً.

كما تشمل الخطة استراتيجية أوروبية جديدة للبناء تهدف إلى تقليص الروتين الإداري ووضع معايير مشتركة، بما يسمح باستخدام مواد بناء مصنّعة في دولة عضو واحدة بسهولة في مشاريع إسكان بدول أخرى، ما قد يسهم في خفض التكاليف وتسريع وتيرة البناء.

وتولي الحزمة اهتماماً خاصاً لأكثر من مليون شخص بلا مأوى في أنحاء أوروبا، كثير منهم يعيشون خارج بلدانهم الأصلية. وأكد المفوض أن الاتحاد الأوروبي سيسعى إلى دراسة حقوق هؤلاء وضمان احترامها، مشدداً على أن الأزمة ليست تقنية أو اقتصادية فحسب، بل إنسانية في جوهرها.

ورغم أن جزءاً كبيراً من الخطة يعتمد على توصيات غير ملزمة، وجّه يورغنسن تحذيراً مباشراً إلى صناع القرار في الدول الأعضاء، قائلاً إن تجاهل أزمة السكن سيُترجم حتماً إلى خسائر سياسية.

وأضاف: “إما أن يأخذوا هذه المشكلة على محمل الجد، أو أن يستعدوا لتسليم السلطة للشعبويين”.

وبذلك، تمثل خطة الإسكان الأوروبية اختباراً جديداً لقدرة بروكسل على التحرك في ملفات تمس الحياة اليومية للمواطنين، في وقت لم تعد فيه أزمة السكن مجرد قضية اجتماعية، بل عاملاً حاسماً في رسم الخريطة السياسية للقارة.

You may also like

Leave a Comment