ألمح وزير الخزانة الأمريكي، سكوت بيسنت، إلى أن الرئيس دونالد ترامب من المرجح أن يؤجل الموعد النهائي المحدد في الثامن من يوليو لفرض تعريفات جمركية جديدة على الشركاء التجاريين، وسط تعثر المحادثات وعدم التوصل إلى اتفاقات ملموسة مع أغلب الدول المعنية.
وقال بيسنت في جلسة استماع أمام لجنة الوسائل والطرق في مجلس النواب، إن الإدارة الأمريكية تدرس “تقديم الموعد” من أجل إتاحة المزيد من الوقت للمفاوضات الجارية مع نحو 18 دولة شريكة.
وأضاف: “نحن نتفاوض بحسن نية، لكن إذا لم يتفاوض أحد، فلن نتفاوض نحن أيضًا”، مشيرًا إلى أن بعض الشركاء التجاريين يتباطؤون عمدًا في التوصل إلى تفاهمات.
وكان ترامب قد علق في أبريل فرض رسوم جمركية تتراوح بين 10% و25% على واردات من أكثر من 60 دولة، وهدد بإعادة تفعيلها في 9 يوليو إذا لم تلبِّ هذه الدول مطالب إدارته بإزالة الحواجز التجارية، وفتح أسواقها بشكل أكبر أمام السلع والخدمات الأمريكية، ومعالجة ما وصفه البيت الأبيض بالممارسات “غير العادلة” في قطاعات متنوعة.
موجة اتصالات دبلوماسية
قرار ترامب بتجميد الرسوم مؤقتًا في أبريل دفع بعواصم عديدة إلى إطلاق جولات مكثفة من الاتصالات مع البيت الأبيض على أمل التوصل إلى اتفاقات تجارية تُجنّبها تداعيات الإجراءات الجمركية المحتملة. إلا أن أغلب هذه المفاوضات لم تسفر عن تقدم ملموس.
وبحسب مصادر في وزارة الخزانة، فإن البيت الأبيض تلقى طلبات لعقد مفاوضات من قادة دول في الاتحاد الأوروبي، وكندا، وكوريا الجنوبية، والبرازيل، ودول جنوب شرق آسيا، إلا أن المواقف تفاوتت بشكل كبير، مع رفض العديد من هذه الدول شروط الإدارة الأمريكية، خاصة المتعلقة بإلغاء الدعم الصناعي المحلي أو فتح قطاعات محددة أمام الاستثمار الأجنبي.
صفقة يتيمة مع بريطانيا
ورغم تعهد ترامب في أبريل بإبرام “90 صفقة في 90 يومًا”، لم توقّع الولايات المتحدة سوى اتفاق مبدئي واحد مع المملكة المتحدة، التي تتمتع أصلاً بفائض تجاري لصالح واشنطن.
وتشير تقارير إلى أن هذه الاتفاقية لم تخرج بعد من إطارها الرمزي، ولم تتضمن إصلاحات هيكلية أو تخفيضات جمركية ذات أثر ملموس.
وبينما تحاول دول أخرى، كألمانيا واليابان، تجنب التصعيد، تصرّ إداراتها على أن الحل لا يكون بالضغط أو فرض مواعيد نهائية تعجيزية، وإنما عبر مفاوضات تستند إلى قواعد منظمة التجارة العالمية والاتفاقات متعددة الأطراف.
تحذيرات من الركود
خطوة ترامب بفرض رسوم جمركية جديدة على حلفاء تجاريين تقليديين أثارت منذ أبريل تحذيرات من جهات اقتصادية معتبرة داخل الولايات المتحدة.
وأشارت دراسات صادرة عن غرفة التجارة الأمريكية ومراكز أبحاث اقتصادية إلى أن التعريفات قد تُفاقم التضخم، وتؤثر على سلاسل التوريد، وتزيد من تكلفة المعيشة بالنسبة للأسر الأمريكية، خصوصًا في قطاعات السيارات والمنتجات الإلكترونية والمعادن.
وفي هذا السياق، صرّح عدد من كبار قادة الأعمال، بمن فيهم رؤساء شركات كبرى في قطاع التصنيع والتكنولوجيا، بأن سياسة الرسوم الجمركية “أفقدت الأسواق ثقتها” في استمرارية العلاقات التجارية مع واشنطن، ودعت إلى اعتماد نهج تفاوضي أكثر استقرارًا.
ترامب يدافع عن نهجه
على الرغم من هذه الانتقادات، يدافع الرئيس ترامب عن سياساته التجارية باعتبارها جزءًا من استعادة “العدالة الاقتصادية” للولايات المتحدة.
وقال في تصريحات سابقة إن واشنطن لطالما تعرضت “للاستغلال” من قبل شركائها التجاريين، وإنه حان الوقت لإعادة التوازن وتحقيق مصالح العمال والمصنعين الأمريكيين.
ويؤكد البيت الأبيض أن الرسوم الجمركية أداة ضغط “مؤقتة” تُستخدم لتصحيح الخلل في الميزان التجاري، لا سيما مع الصين وبعض دول الاتحاد الأوروبي.
لكن مع مرور الوقت وتباطؤ المفاوضات، تتزايد الشكوك حول فعالية هذه الاستراتيجية، خصوصًا إذا لم تترافق بنتائج ملموسة على الأرض.
الانقسام في الكونغرس
موقف ترامب من الرسوم الجمركية لم يمر دون جدل في أروقة الكونغرس، حيث انتقد بعض النواب الجمهوريين السياسات التجارية التي يرى كثيرون أنها تضر بالمزارعين والمستهلكين في ولاياتهم.
بينما يساند آخرون، خصوصًا من جناح “أمريكا أولًا”، الرئيس في موقفه، معتبرين أن الرسوم وسيلة ضرورية لإعادة ترتيب الأولويات الاقتصادية.
أما الديمقراطيون، فقد ركزوا على الأثر الاجتماعي والسياسي لهذه السياسات، محذرين من أن الحروب التجارية غير المدروسة قد تضعف موقع الولايات المتحدة عالميًا، وتدفع الحلفاء إلى البحث عن بدائل استراتيجية.
سيناريوهات قادمة
من غير المتوقع أن تسفر المفاوضات التجارية الجارية عن اتفاقات كبيرة قبل الموعد النهائي في يوليو. ومع تلميح وزير الخزانة إلى احتمال تأجيل هذا الموعد، يبدو أن الإدارة تسعى إلى شراء مزيد من الوقت، ربما لتجنب الانعكاسات السلبية على الاقتصاد الأمريكي في عام انتخابي محتدم.
ويبقى السؤال المطروح: هل يستطيع ترامب تحويل الضغط الجمركي إلى مكاسب حقيقية، أم أن الاستراتيجية ستُفقد الولايات المتحدة ثقة شركائها وتُفاقم الأزمات التجارية؟ الأيام المقبلة كفيلة بالإجابة.