يستعد مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي لإجراء أول خفض في أسعار الفائدة منذ عودة الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في يناير، في خطوة تعكس الضغوط المتزايدة على رئيس المجلس جيروم باول، والانقسامات العميقة داخل لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية المسؤولة عن رسم السياسة النقدية.
وسيجتمع صناع السياسة النقدية يومي الثلاثاء والأربعاء، وسط توقعات الأسواق بخفض بمقدار 25 نقطة أساس، وفق بيانات مجموعة CME. لكن حجم التخفيض النهائي لا يزال محل جدل داخلي، مع تباين مواقف الأعضاء بين دعاة نهج أكثر حذراً وأصوات تطالب بخطوات أجرأ لدعم الاقتصاد.
ووصف غاري ريتشاردسون، المؤرخ الرسمي الأول للاحتياطي الفيدرالي، الاجتماع بأنه “محوري في تاريخ البنك المركزي”، مؤكداً أن القرارات المرتقبة على مدى العام المقبل “قد تعيد تشكيل هيكل الحكومة الفيدرالية والنظام المالي الدولي”.
ضغوط ترامب وتعيين مثير للجدل
تأتي هذه التطورات فيما يواصل الرئيس ترامب مساعيه لإعادة تشكيل الفيدرالي بما يتماشى مع توجهاته. فقد أقرّ مجلس الشيوخ بصعوبة تعيين كبير مستشاريه الاقتصاديين ستيفن ميران عضواً في مجلس الاحتياطي، رغم الجدل حول احتفاظه بدوره في البيت الأبيض بصفة إجازة غير مدفوعة الأجر.
بالتوازي، يخوض ترامب معركة قانونية مع ليزا كوك، الحاكمة التي عينها الرئيس السابق جو بايدن، بعد محاولته إقالتها على خلفية مزاعم احتيال مالي. رفضت محكمة استئناف هذا المسعى، ما يفتح الباب لمواجهة في المحكمة العليا غير مسبوقة في تاريخ الفيدرالي منذ تأسيسه عام 1913.
ورغم أن الخفض المرتقب يمثل تنازلاً من باول للضغوط السياسية، إلا أنه لن يرضي ترامب على الأرجح. فقد كتب الرئيس على منصة Truth Social أن باول “متأخر جداً”، داعياً إلى تخفيضات حادة أكبر.
ويرى ترامب أن الفائدة المرتفعة تقوّض النمو وتزيد البطالة، خصوصاً مع آثار تعريفاته الجمركية على الاقتصاد. لكن اقتصاديين يحذرون من أن تخفيضات مفرطة قد تؤدي إلى دورة تضخمية جديدة، بينما يزداد القلق من مؤشرات ضعف سوق العمل.
بيانات اقتصادية متناقضة
رغم أن معدل البطالة لا يزال منخفضاً، فإن مراجعات وزارة العمل الأميركية أظهرت تراجعاً في نمو الوظائف خلال العام الماضي، ما عزز المخاوف من أن الاقتصاد أضعف مما كان يُعتقد.
وحذر جيروم باول في أبريل من احتمال الدخول في “سيناريو صعب” إذا تعارض هدفا الفيدرالي الأساسيان – استقرار الأسعار والتوظيف الكامل. واليوم يجد البنك المركزي نفسه أمام هذا المأزق مباشرة، مع تزايد الضغوط لإعطاء الأولوية لدعم الوظائف على حساب التضخم.
وقال ديريك تانغ، الاقتصادي في شركة LHMeyer/Monetary Policy Analytics: “المقلق في تباطؤ الطلب أنه بمجرد أن يبدأ في الترسخ، يمكن أن يكتسب حياة خاصة به”.
انقسام داخلي
لا يزال بعض أعضاء اللجنة الأكثر تشدداً يرون أن التخفيضات العميقة هي الخيار الأمثل لتحفيز الاقتصاد سريعاً. في المقابل، يدعو آخرون إلى الحذر خشية إشعال موجة تضخمية جديدة.
وفي حين تشير مؤشرات مثل نمو الناتج المحلي الإجمالي وقوة سوق الأسهم إلى متانة نسبية، فإن تنامي المخاوف من ركود محتمل جعل الأسواق في حالة ترقب شديد لقرارات الفيدرالي.
وبالنسبة لباول، يمثل الاجتماع اختباراً لقدرته على الحفاظ على استقلالية الفيدرالي وسط أعنف ضغط سياسي يواجهه البنك منذ عقود. فالموازنة بين حماية مصداقية المؤسسة وبين التكيف مع أجندة البيت الأبيض ستحدد ليس فقط مسار الاقتصاد الأميركي، بل أيضاً الثقة العالمية في النظام المالي الأميركي.
ولخص جيمي ديمون، الرئيس التنفيذي لبنك جي بي مورغان، المشهد بقوله الأسبوع الماضي: “أعتقد أن الاقتصاد يضعف. لا أعلم إن كنا في طريقنا إلى ركود أم مجرد تباطؤ”.
وبهذا، يدخل الفيدرالي الأميركي اجتماعه الحاسم في أجواء استثنائية، حيث تتقاطع الحسابات الاقتصادية مع السياسة على نحو قد يغير ملامح السياسة النقدية الأميركية لسنوات قادمة.