كشفت صحيفة الغارديان البريطانية، استناداً إلى تحليل بيانات متعددة من الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، أن دولاً غنية ومصدّرة للنفط مثل الإمارات والسعودية، إضافة إلى اقتصادات نامية كبيرة مثل الصين والهند، من بين أبرز المستفيدين من قروض تمويل المناخ المخصصة لمواجهة التغير المناخي وتعزيز الانتقال إلى الطاقة النظيفة.
ويشير التحقيق إلى أن النظام العالمي لتمويل المناخ يهدف نظرياً إلى تحويل رأس المال من الدول الغنية الملوثة إلى الدول الضعيفة لمساعدتها على تنظيف اقتصادها والتكيف مع الاحترار العالمي، إلا أن غياب الرقابة المركزية على توزيع الأموال جعلها في كثير من الحالات عرضة للمصالح السياسية للدول المانحة، بعيداً عن الحاجة الفعلية للأكثر تضرراً.
ورغم الالتزام الرسمي للدول الغنية بتقديم 100 مليار دولار سنوياً بحلول عام 2020، وفق قمة كوبنهاغن 2009، أظهر تحليل بيانات أكثر من 20 ألف مشروع عالمي خلال عامي 2021 و2022 أن الجزء الأكبر من التمويل ذهب أيضاً إلى دول بترولية غنية مثل الإمارات والسعودية، وإلى الصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وليس فقط إلى الدول الأفقر.
ففي الإمارات، على سبيل المثال، حصلت الدولة على أكثر من مليار دولار على شكل قروض من اليابان ضمن ما صنف كتمويل مناخي، من بينها 625 مليون دولار لمشروع النقل الكهربائي البحري في أبوظبي و452 مليون دولار لمحطة حرق نفايات في دبي.
أما السعودية فقد تلقت نحو 328 مليون دولار، منها 250 مليون دولار لشركة الكهرباء و78 مليون دولار لمزرعة للطاقة الشمسية.
ولم تقتصر القروض على الشرق الأوسط فحسب، إذ حصلت ست دول من البلقان التي تسعى للانضمام للاتحاد الأوروبي على أكثر من 3.5 مليارات دولار، وكانت الحصة الأكبر لصربيا، التي تلقت تمويلاً يعادل 10 أضعاف ما حصلت عليه البلدان الأقل نموًا على أساس نصيب الفرد.
كما حصلت رومانيا على منحة بقيمة 8 ملايين دولار من الولايات المتحدة لإجراء دراسة هندسية لبناء مفاعل نووي صغير.
ويلاحظ أن معظم التمويل لم يكن منحاً، بل قروضاً، مما قد يوقع بعض الدول، خاصة الأقل نمواً، في فخ الديون، إذ وصلت نسبة القروض إلى 95% أو أكثر في حالات مثل بنغلاديش وأنغولا.
وأوضح جو ثويتس، خبير تمويل المناخ في المجلس الدفاعي للموارد الطبيعية، أن هذه التدفقات المالية “غير كافية”، وأن البلدان الأكثر فقراً، خاصة الغارقة في الديون، لا تحصل على نصيب مناسب من المنح والقروض بشروط ميسرة.
ووفق بيانات الغارديان، خُصص 33 مليار دولار للبلدان الأقل نمواً مثل هايتي ومالي والنيجر وسيراليون وجنوب السودان واليمن، فيما ذهبت 98 مليار دولار إلى الدول النامية الأخرى، بينها الهند التي حصلت على نحو 14 مليار دولار، والصين بحوالي 3 مليارات دولار، معظمها من خلال بنوك متعددة الأطراف. ولا يزال نحو 32 مليار دولار غير مصنف بدقة.
ويبرز التحقيق أن ضعف استفادة الدول الأقل نمواً يعود جزئياً إلى صغر حجم سكانها، في حين أصبح تصنيف الدول النامية، بما فيها الصين، مثار توتر في مفاوضات المناخ.
فالصين، رغم كونها مصدراً ضخماً للانبعاثات، تواصل اعتبار نفسها دولة نامية وفق تصنيف الأمم المتحدة منذ عام 1992، وتتمتع بتمويل واسع لمشاريع مناخية خارجياً دون إدراج مساهماتها رسمياً ضمن التقارير الدولية.
ويشير التقرير إلى أن هذا التفاوت في التمويل يعكس مزيجاً من الضغوط الاقتصادية والسياسية، ويؤكد أن تمويل المناخ، رغم أهميته في مواجهة أزمة الاحتباس الحراري، لا يزال بعيداً عن تحقيق العدالة المناخية المنشودة، مع تركيز استثمارات ضخمة على دول غنية ومستقرة نسبياً بدل توجيهها إلى أكثر المناطق حاجة إلى دعم عاجل للانتقال إلى اقتصاد منخفض الانبعاثات.