قالت صحيفة الغارديان البريطانية إن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان يسعى لتحسين صورته الدولية عبر استضافة محادثات أوكرانيا وواشنطن في جدة.
وبحسب الصحيفة فإنه ظاهريًا، يبدو أن إعلان السعودية عن استضافة محادثات بين الولايات المتحدة وأوكرانيا في جدة الأسبوع المقبل خبرًا واعدًا.
وذكرت أنه بعد اللقاء الكارثي بين الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي والرئيس الأمريكي دونالد ترامب في البيت الأبيض الأسبوع الماضي، فإن عقد هذا الاجتماع في موقع محايد أكثر ومن قبل شخصيات أقل مستوى يبدو منطقيًا في محاولة لخفض التوتر.
وفي خطاب له مساء الخميس، قال زيلينسكي إنه سيسافر إلى السعودية يوم الاثنين للقاء محمد بن سلمان، فيما سيبقى فريقه لإجراء محادثات مع المسؤولين الأمريكيين.
لكن السؤال الحقيقي هو: إلى أي مدى تعد السعودية وولي عهدها محايدين بالفعل؟ ولماذا تُعقد المحادثات هناك بدلًا من إحدى العواصم الأوروبية؟
وبحسب الصحيفة فإن الحقيقة هي أن السعودية تعد موقعًا مريحًا لإدارة ترامب. خلال ولايته الأولى، كانت أول زيارة خارجية لترامب إلى السعودية، وهي دولة تطمح لأن تكون لاعبًا دبلوماسيًا رئيسيًا رغم سجلها الكارثي في حقوق الإنسان، بما في ذلك اختطاف وقتل الصحفي جمال خاشقجي في 2018.
من جانبه، يرى ترامب أن تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل هو الجائزة الكبرى في جهوده لصياغة اتفاق سلام إقليمي واسع، بعد توقيع اتفاقات أبراهام التي شملت إسرائيل والإمارات والبحرين خلال فترته الأولى، لكن هذه الاتفاقات لم تحقق الكثير لتحسين الأمن في الشرق الأوسط.
وفي الوقت الذي ظلت فيه العلاقات بين ترامب والسعودية وثيقة سواء على المستوى الدبلوماسي أو التجاري، تثير علاقة ولي العهد السعودي ببوتين قلقًا متزايدًا.
وعلى مدى السنوات الأخيرة، اقترب محمد بن سلمان من الدائرة المقربة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وفقًا لبعض المحللين، لعب ولي العهد السعودي دورًا رئيسيًا في صفقتي تبادل أسرى بين روسيا والولايات المتحدة، بما في ذلك الصفقة التي شملت الصحفي الأمريكي إيفان غيرشكوفيتش العام الماضي.
وقد بدأت هذه العلاقة الدافئة بين بن سلمان وبوتين عام 2015 عندما زار ولي العهد السعودي الرئيس الروسي في سانت بطرسبرغ، وتوجت بزيارة بوتين للسعودية عام 2023.
ونمت أهمية العلاقة بين موسكو والرياض، حيث أشار الباحثان ينس هايباخ ولويزا سيرولي في مقال بمجلة السياسات الأمنية المعاصرة العام الماضي إلى أن تردد السعودية في انتقاد الغزو الروسي لأوكرانيا يرجع إلى أن روسيا شريك محوري للرياض داخل تحالف أوبك+، وهو ركيزة أساسية في استراتيجية السعودية لتنويع سياستها الخارجية.
وأوضحا أنه رغم أن السعودية صوتت لصالح قرارات الأمم المتحدة الرئيسية التي تدين الغزو الروسي، إلا أنها تجنبت عزل روسيا دبلوماسيًا أو التعدي على مصالحها بشكل جاد.
وبعد الغزو الروسي لأوكرانيا في أوائل 2022، واصلت السعودية التعاون مع روسيا داخل أوبك+، حيث قادت قرار خفض إنتاج النفط بمقدار 2 مليون برميل يوميًا في 5 أكتوبر 2022، مما أدى إلى ارتفاع أسعار النفط عالميًا وزيادة إيرادات روسيا.
وبذلك، رفضت السعودية مناشدات إدارة بايدن باستخدام نفوذها داخل أوبك+ لخفض أسعار النفط، مما أدى إلى توتر العلاقات بين الرياض وواشنطن، التي كانت غير راضية عن موقف السعودية من الحرب الأوكرانية.
وقد استمرت السعودية في تعزيز علاقتها بروسيا، حيث استضافت اجتماعًا بين مسؤولين أمريكيين وروس لمناقشة اتفاق سلام في أوكرانيا – وهو تحول كبير عن سياسة إدارة بايدن لعزل روسيا دبلوماسيًا.
وفي الوقت نفسه، استضافت السعودية قمة سلام لمدة يومين بشأن أوكرانيا في 2023، بحضور ممثلين عن أكثر من 40 دولة، لكن بعض المراقبين رأوا أن ذلك كان جزءًا من محاولة تبييض صورة السعودية الدولية.
أما بالنسبة لأوكرانيا، فإنها تشعر بالراحة في عقد محادثات في جدة بسبب العلاقات الشخصية لوزير الدفاع الأوكراني، روستم أوميروف، مع السعودية، حيث كان له اتصالات سابقة من خلال عمله في مجال الاستثمار المصرفي.
وقالت أوريسيا لوتسيفيتش، نائبة مدير برنامج روسيا وأوراسيا في مركز تشاتام هاوس بلندن، إن هذه الروابط بين السعودية وأوكرانيا تخلق درجة من الثقة.
وأضافت: “أعتقد أن فكرة المواقع المحايدة للمفاوضات هي مجرد خرافة. عمليًا، تحتاج إلى وسيط له علاقات مع الطرفين لضمان الثقة.”
وأوضحت أن أوكرانيا لطالما رأت في الشرق الأوسط قوة موازية، واستثمرت في علاقاتها مع الجنوب العالمي، بحجة أن هذه حرب عالمية بسبب تأثيرها العالمي.
كما أشارت إلى أن السعودية تمتلك واحدة من أكبر الشركات الزراعية في أوكرانيا، مما يعني أن لديها مصلحة اقتصادية مباشرة.
وختمت قائلة: “إحدى دوافع السعودية في استضافة المحادثات هي مساعدة ترامب. لكن الخطر الأكبر على زيلينسكي وأوكرانيا لا يزال ترامب نفسه – أي احتمال أن تتبنى أمريكا الأجندة الروسية. المكان لا يغير هذه الحقيقة.”