مع اقتراب موعد الانتخابات الوطنية المقررة في 11 نوفمبر/تشرين الثاني، بدأ سياسيون عراقيون حملاتهم الانتخابية مبكرًا، متجاوزين الموعد الرسمي الذي تحدده المفوضية العليا المستقلة للانتخابات. وبينما يرفع المرشحون شعارات توفير فرص العمل وتحسين الخدمات، يقابل الناخبون هذه الوعود بمزيج من السخرية وعدم الثقة.
ورغم أن قانون الانتخابات ينص على بدء الحملات قبل شهر واحد فقط من يوم الاقتراع، انتشرت بالفعل اللوحات الإعلانية في شوارع بغداد والمدن الأخرى، فيما استغل بعض المرشحين المناسبات الاجتماعية لتقديم أنفسهم كوجوه قريبة من الناس.
فقد لجأ المرشحون إلى الولائم الباذخة، وزيارات الأحياء الفقيرة، وحتى توزيع مساعدات إنسانية، في مشهد يراه كثير من العراقيين تكرارًا لمواسم انتخابية سابقة.
وعود الوظائف والرعاية الاجتماعية
في الأنبار، يقود رئيس البرلمان السابق محمد الحلبوسي ائتلاف تقدم، مستندًا إلى قاعدة جماهيرية قوية في مسقط رأسه.
ظهر في مقطع مصور على “تيك توك” يعد أحد الخريجين بتأمين وظيفة في شركة شلمبرجير الأميركية المتعاقدة مع حقل عكاس الغازي، مؤكدًا أنه اشترط على الشركة توظيف شباب محليين قبل توقيع العقود.
على الجانب الآخر، اختارت السياسية الشيعية علياء نصيف، المرشحة عن ائتلاف الإعمار والتنمية بزعامة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، تقديم كراسٍ متحركة ومساعدات غذائية لذوي الإعاقة أمام الكاميرات.
ورغم أن الفيديوهات صُورت لتظهرها بصورة “المحسنة”، اعتبرها نقاد حيلة انتخابية مكشوفة تستغل حاجات الفقراء.
السوداني بين الحكم والحملة
يواجه رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني اتهامات مباشرة باستغلال موارد الدولة لتعزيز فرص إعادة انتخابه.
يشمل ذلك: افتتاح مشاريع جديدة بوتيرة متسارعة وتوسيع برامج الرعاية الاجتماعية ووعود بتوزيع الأراضي وتخفيف القيود البيروقراطية.
ويرى خصومه أن هذا السلوك يمحو الخط الفاصل بين إدارة الدولة والحملات الانتخابية.
دعوات لضمان النزاهة
الرئيس العراقي عبد اللطيف رشيد اقترح في أغسطس سلسلة إجراءات لضمان انتخابات نزيهة، بينها: وقف التعيينات الحكومية ومنع استخدام الأراضي والموارد العامة كأداة انتخابية وفرض عقوبات على المخالفين.
وقد أيدت السلطات الأربع – الرئاسة، البرلمان، الحكومة، والمجلس القضائي – هذه المقترحات، غير أن تطبيقها يظل محل شك في ظل ضعف مؤسسات الرقابة وتسييس الدولة.
الشارع بين السخرية والإحباط
الكثير من العراقيين لا يخفون استياءهم من الحملات المبكرة.
يقول البائع المتجول رجب حميد علي: “هذا هو الموسم الذي يتذكرون فيه الفقراء فجأة… يأتون بابتساماتهم ووعودهم، لكننا لا نراهم بعد الانتخابات.”
أما مدرس الرياضيات ناصر محمد جعفر فيرى أن المشهد يثير خليطًا من “السخرية والمرح”، لكنه يخفي خلفه إحباطًا عميقًا من تكرار الوجوه ذاتها والوعود ذاتها.
ويشار إلى أن هذه الانتخابات هي السادسة منذ 2003، وتأتي في ظل تنافس شديد بين المجموعات الدينية والعرقية، وسط تحديات متصاعدة من البطالة، وتدهور الخدمات العامة، وتراجع ثقة المواطنين في قدرة النخبة السياسية على إحداث التغيير.
وبينما يحاول الساسة الترويج لصورتهم كـ”قادة إصلاح”، يبقى السؤال الأكبر في أذهان العراقيين: هل ستكون انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني محطة للتغيير الحقيقي، أم حلقة جديدة في مسلسل الوعود غير المنجزة؟