في خطاب حازم ألقته من جامعة كيو في العاصمة اليابانية طوكيو، حذّرت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين من أن العالم لن يعود كما كان، مشددة على أن الاضطرابات الجيوسياسية والاقتصادية التي يشهدها العالم ليست عابرة، بل تمثل تحولًا جذريًا في النظام العالمي يتطلب من أوروبا والغرب عمومًا إعادة التفكير في أولوياتهما الاستراتيجية.
جاءت كلمات فون دير لاين في لحظة مشحونة، إذ يخيم على المشهد العالمي شبح الحرب الروسية في أوكرانيا والتوترات التجارية المتصاعدة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بفعل السياسات الحمائية التي ينتهجها الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
“العاصفة لن تمر”
قالت فون دير لاين، التي حصلت على الدكتوراه الفخرية من الجامعة اليابانية خلال زيارتها، إن الاعتقاد بأن هذه الأزمات مؤقتة أو قابلة للاحتواء أصبح تفكيرًا خطيرًا وغير واقعيًا.
“لا يمكننا ببساطة أن نقبل أن تهزّنا التغييرات الجذرية التي نواجهها، أو أن نقع مجددًا في وهم أن العاصفة ستمر… لأن التيارات الجيوسياسية المتقاطعة قوية للغاية. وأسس أمننا وازدهارنا متزعزعة للغاية”، صرحت المسؤولة الأوروبية.
وشددت على أن الاستجابة الفعالة تبدأ بـ”مواجهة العالم كما هو، لا كما نتذكره”، مضيفة أن كيفية تعامل أوروبا مع هذه الحقبة ستحدد شكل ما تبقى من القرن الحادي والعشرين.
ترامب وبوتن يعيدان تشكيل النظام
تصريحات فون دير لاين تضع إصبعًا على الجرح السياسي العالمي، حيث تؤثر سياسات ترامب الانعزالية وتحديات بوتن الأمنية في أوروبا الشرقية على البنية السياسية والاقتصادية الدولية. وسلطت الضوء على أن أوروبا لم يعد بمقدورها الركون إلى الحماية الأميركية أو الاستقرار العالمي المفترض، بل عليها أن تتحمّل مسؤولياتها بشكل مستقل وأكثر جرأة.
“نهج ترامب في الدبلوماسية… ووجود بوتن المهدد على الحدود الشرقية للقارة… كل ذلك يجبر أوروبا على التحرك وتحمل مسؤولية أكبر في أمنها القومي والجماعي”، قالت فون دير لاين.
مضاعفة الاستثمار الدفاعي
ولفتت رئيسة المفوضية إلى أن الاتحاد الأوروبي بدأ بالفعل في التكيّف مع الواقع الجديد، مشيرة إلى أن الأشهر الأخيرة شهدت خطوات غير مسبوقة لتعزيز القدرات الدفاعية الأوروبية، عبر استثمارات ومشاريع كانت تُعدّ حتى وقت قريب ضربًا من المستحيل.
“قدمنا مقترحات للاستثمار في دفاعنا بمستويات لم تكن لتخطر على بال حتى قبل عام أو عامين”، أكدت فون دير لاين، مضيفة أن الخطة الأوروبية الجديدة تضع الصناعة والابتكار والتكنولوجيا والعلوم في قلب الاقتصاد الأوروبي المستقبلي.
شراكات استراتيجية
تأتي تصريحات فون دير لاين خلال مشاركتها في قمة الاتحاد الأوروبي واليابان، إلى جانب رئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا ومسؤولة السياسة الخارجية للاتحاد كايا كالاس. وتُعد طوكيو محطة مهمة في جهود بروكسل لتوسيع شراكاتها العالمية، في ظل ازدياد تعقيد العلاقات مع واشنطن وبكين.
وفي ختام كلمتها، دعت فون دير لاين إلى أن يتحول الاتحاد الأوروبي من ردّ الفعل إلى الفعل المبادر، مؤكدة أن مستقبل العالم لا يمكن أن يُبنى على القواعد القديمة، بل يتطلب أدوات جديدة، ونهجًا استباقيًا، وتحالفات قائمة على القيم والمصالح الاستراتيجية المشتركة.