تشهد الساحة الإلكترونية تصعيدًا غير مسبوق مع تصاعد الصراع بين إسرائيل وإيران، حيث تحولت الهجمات السيبرانية إلى أحد أهم أدوات الحرب في ظل النزاع المستمر بين الطرفين، بحسب ما كشفت شركة الاستخبارات الإسرائيلية “رادوير”. وفي ظل التدخل العسكري الأمريكي المتصاعد، يتوقع الخبراء أن يمتد خطر هذه الهجمات الإلكترونية ليشمل مناطق وبنى تحتية حيوية خارج نطاق الشرق الأوسط.
تصعيد رقمي متسارع
منذ بدء الضربات الجوية الإسرائيلية على المنشآت النووية الإيرانية في يونيو الجاري، تزايدت العمليات السيبرانية بشكل حاد. وأفادت رادوير بأن ما يقارب مئة مجموعة من القراصنة نشطة الآن في ساحة المعركة الإلكترونية، أكثر من نصفها تدعم إيران مباشرة، فيما تستخدم كل من الدولتين والميليشيات المتحالفة معها الفضاء الإلكتروني لتعطيل الأنظمة الحيوية، وزعزعة استقرار الخصم، وتأليب الرأي العام الدولي.
وقالت بسنت حسيب، خبيرة الأمن السيبراني السياسي، إن إسرائيل وإيران تنظران إلى القوة السيبرانية على أنها ركن أساسي في استراتيجياتهما العسكرية والسياسية. وأضافت أن “إسرائيل تستثمر في قوتها السيبرانية ليس فقط كوسيلة عسكرية، ولكن لتعزيز صورتها التكنولوجية عالميًا واستعادة ثقة جمهورها الداخلي الذي تضرر بفعل تداعيات حرب غزة”.
وفي المقابل، طورت إيران قدراتها السيبرانية رداً على هجمات مثل “ستوكسنت” التي استهدفت منشآتها النووية عام 2010، وتستخدمها الآن للرد على الغارات الإسرائيلية وتعويض الخسائر الميدانية.
أشكال الهجمات وتداعياتها
شهدت الأشهر الأخيرة ارتفاعاً بنسبة 700% في الهجمات الإلكترونية الإيرانية ضد أهداف إسرائيلية، حيث تنوعت الهجمات بين هجمات رفض الخدمة الموزعة (DDoS)، وعمليات التصيد الاحتيالي، وحملات التضليل الإعلامي التي تستهدف بث الذعر بين السكان.
وقال مروان هاشم، المؤسس المشارك لشركة الأمن السيبراني “FearsOff” ومقرها الإمارات، إن العمليات السيبرانية لم تعد دفاعية أو استغلالية فحسب، بل تحولت إلى “سلاح رئيسي” في النزاع بين البلدين.
ومن بين أساليب التضليل التي تم رصدها، إرسال تنبيهات نصية مزيفة تنسب إلى الجيش الإسرائيلي تحذر من هجمات وشيكة على الملاجئ، في محاولة لإثارة الذعر في صفوف المدنيين.
كما كثفت مجموعات “الهاكتيفيست” نشاطها ضد أهداف حساسة، حيث أوردت تقارير عن خروقات طالت أجهزة استخبارات إسرائيلية، رغم عدم تمكن الجهات المستقلة من التحقق من صحة هذه المزاعم حتى الآن.
التهديد يمتد خارج حدود المنطقة
مع تصاعد التدخل العسكري الأمريكي في الصراع، باتت المخاطر السيبرانية تهدد بنية تحتية حيوية في مناطق أبعد من الشرق الأوسط. وقالت حسيب إن تحذيرات إيران من أن تدخل واشنطن قد يؤدي إلى أضرار لا يمكن إصلاحها تحمل دلالات خطيرة.
وقد أعلنت مجموعات قرصنة مؤيدة لإيران مثل “Mysterious Team Bangladesh” عن خطط لاستهداف بنى تحتية حيوية في دول مثل الأردن والمملكة العربية السعودية، في حال قدمت هذه الدول دعمًا لإسرائيل.
وفي المقابل، استهدفت جماعات مرتبطة بإسرائيل بنوكًا وشركات في إيران. فقد أعلنت مجموعة “غونجيشكي داراندي” أو “العصفور المفترس” مسؤوليتها عن تعطيل بنك سيباه الإيراني والهجوم على بورصة العملات الرقمية “نوبيتكس”، مما أدى إلى خسائر مالية تقارب 90 مليون دولار.
تبعات استراتيجية
تعكس هذه الهجمات الرقمية المتزايدة تحول الحرب بين إسرائيل وإيران إلى صراع متعدد الأبعاد، حيث لا تقتصر المواجهة على الأرض أو السماء، بل تتوسع لتشمل العالم الافتراضي. ويشدد الخبراء على أن البنى التحتية الحيوية مثل الكهرباء، الاتصالات، النقل، والخدمات المالية أصبحت جميعها أهدافًا محتملة في هذه الحرب السيبرانية.
ويحذر مروان هاشم من أن استمرار تصاعد هذا الصراع الرقمي قد يؤدي إلى تداعيات غير مقصودة تمتد إلى دول أخرى ومناطق بعيدة، خصوصًا مع تصاعد التوترات السياسية والعسكرية في المنطقة.
ويبقى الفضاء السيبراني ساحة متحركة ومتطورة باستمرار في النزاع الإسرائيلي الإيراني، حيث تعزز كل من الدولتين قواتها الرقمية في مواجهة تهديدات متبادلة، وسط مخاوف من أن يؤدي ذلك إلى تأثيرات عالمية تهدد الأمن الإلكتروني للبنى التحتية الحيوية في دول عدة.
ومع تزايد التدخل الأمريكي، تتجه الأنظار إلى قدرة المجتمع الدولي على احتواء التصعيد الرقمي، ومنع تحول الهجمات الإلكترونية من أداة حرب إقليمية إلى أزمة عالمية تهدد الاستقرار والأمن.