تشهد محافظة السويداء في جنوب سوريا تصعيدًا أمنيًا وانسحابات لقوات الحكومة السورية، وسط توتر متصاعد نتيجة الاشتباكات الطائفية بين ميليشيات درزية وقبائل بدوية، وغارات جوية إسرائيلية على عدة مواقع في العاصمة دمشق ومحيطها. وفي هذا السياق، صعد الرئيس السوري أحمد الشرع من خطابه ضد إسرائيل، متهماً إياها بالسعي إلى إشعال “فوضى لا تنتهي” في سوريا.
في كلمة بثها التلفزيون الرسمي فجر الخميس، قال الشرع: “لسنا ممن يخشون الحرب، لكننا قدمنا مصلحة السوريين على الفوضى والدمار”، مضيفاً أن سوريا تواجه خياراً صعباً بين “حرب مفتوحة مع الكيان الإسرائيلي” أو تسليم أمن السويداء لفصائل من الأقلية الدرزية. وأكد أن الحكومة اتخذت “قراراً مدروساً” لحماية وحدة الوطن وسلامة شعبه، بناءً على “المصلحة الوطنية العليا”.
مصادر محلية وسكان في السويداء أكدوا أن القوات الحكومية بدأت بالانسحاب من المحافظة خلال ساعات الليل، وسط فوضى أمنية متزايدة، وذلك بعد إعلان الشرع الذي يأتي في خضم تصعيد إسرائيلي مكثف استهدف مواقع عسكرية في دمشق.
الغارات الإسرائيلية وتصاعد التوتر
شنت إسرائيل غارات جوية على مواقع عسكرية في قلب العاصمة دمشق، استهدفت وزارة الدفاع وقرب القصر الرئاسي، مما أسفر عن مقتل ثلاثة أشخاص على الأقل، وفقاً لمسؤولين سوريين. وأعلنت إسرائيل أن هدفها حماية الطائفة الدرزية في جنوب سوريا، التي تسعى منذ فترة طويلة إلى استمالتها، ومنع تواجد قوات الجيش السوري في المناطق الجنوبية المحاذية للحدود الإسرائيلية.
وفي تصريح يوم الخميس، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو: “لن نسمح لقوات الجيش السوري بدخول المنطقة جنوب دمشق، ولن نسمح بحدوث أي ضرر للطائفة الدرزية”. وتعد هذه السياسة استمراراً للتدخل الإسرائيلي في الملف السوري الجنوبي، الذي بات يشكل نقطة توتر ساخنة بين البلدين.
الصراع في السويداء: دروز وقبائل بدوية
بدأت الاشتباكات بين ميليشيات درزية وقبائل بدوية في السويداء بعد تدخل قوات الحكومة السورية التي حاولت فرض سيطرتها على المحافظة، مما أدى إلى توتر طائفي وتصعيد العنف. وترفض الميليشيات الدرزية الاندماج في قوات الأمن الوطنية الجديدة التي شكلتها حكومة الشرع، وتتمسك بالحفاظ على نفوذها في المحافظة.
وقد شهدت المدينة مشاهد دامية، حيث اتهم ناشطون الطرفين بارتكاب انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، وسط تدهور الوضع الأمني وارتفاع أعداد القتلى والجرحى. وفي محاولة للتهدئة، أكد الشرع في خطابه أن “الدروز جزء لا يتجزأ من الدولة السورية، وحماية حقوقهم وحريتهم من أولوياتنا”، معلناً تكليف فصائل محلية ومشايخ دينيين بحفظ الأمن.
جهود دولية وإقليمية لاحتواء الأزمة
في ظل تدهور الأوضاع، أعلنت الحكومة السورية وقف إطلاق نار جديد في السويداء يوم الأربعاء، عقب انهيار اتفاق سابق أعلن قبل يوم واحد فقط. وعلى الرغم من ذلك، يبدو أن الهدنة الأخيرة لا تزال قائمة حتى صباح الخميس.
وتزامن ذلك مع محادثات تهدف لخفض التوترات مع إسرائيل، إذ تسعى حكومة الشرع لتفادي تصعيد جديد قد يهدد استقرار الدولة الهشة التي تكافح منذ أشهر لإعادة بناء سلطتها بعد سقوط نظام بشار الأسد.
على الصعيد الدولي، أعرب مسؤولون عرب وأتراك عن رفضهم للهجمات الإسرائيلية، معتبرين أنها تقوض جهود إعادة الاستقرار في سوريا بعد حرب أهلية استمرت 14 عاماً. وفي المقابل، أعلنت إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، التي اعترفت مؤخراً بحكومة الشرع ورفعت بعض العقوبات، عن رغبتها في التوسط لإنهاء الصراع.
وأكد وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو في تصريح يوم الأربعاء على “قلق واشنطن البالغ” إزاء العنف، مشيراً إلى تواصل واشنطن مع جميع الأطراف المشاركة، وقال في منشور على منصة “أكس” (تويتر سابقاً): “لقد اتفقنا على خطوات محددة لإنهاء هذا الوضع المقلق والمروع الليلة”. وأضاف: “يتطلب الأمر من جميع الأطراف الوفاء بالتزاماتها، وهذا ما نتوقعه منهم”.
تحديات الشرع في إعادة الاستقرار
يواجه الرئيس الشرع تحديات ضخمة في توحيد الدولة السورية التي تخلت عن الأسد، إذ تحاول فرض سلطتها وسط مقاومة محلية وفوضى أمنية وتدخلات إقليمية ودولية، بالإضافة إلى استمرار الغارات الإسرائيلية التي تستهدف مواقع الدولة، وتدعم فصائل معينة على الأرض.
وتسلط الأزمة في السويداء الضوء على هشاشة الوضع الأمني في جنوب سوريا، حيث تتقاطع المصالح الطائفية والجيوسياسية، مما يجعل المحافظة بؤرة توتر قد تتوسع إذا لم تُحتوَ سريعًا.
في ظل هذه التطورات، تبقى سوريا أمام اختبار صعب بين صراع مفتوح قد يمتد إلى حرب شاملة، أو مساومة على حساب الأمن الوطني، في ظل وجود قوى داخلية وخارجية تسعى إلى تأجيج الصراعات بدلاً من إخمادها.