السعودية تراهن على الاقتراض والتوسع الاقتصادي رغم ركود النفط

by hayatnews
0 comment

تتبنى المملكة العربية السعودية نهجًا ماليًا جريئًا في مواجهة تراجع أسعار النفط، رافضة الانكماش أو خفض الإنفاق، وماضية في تعزيز الاقتراض وتمويل مشاريع كبرى ضمن رؤية 2030.

ففي الوقت الذي تفترض فيه معظم الدول أن انخفاض أسعار النفط يستدعي شدّ الأحزمة، تكشف ميزانية السعودية لعام 2026 عن خيار معاكس تمامًا: مزيد من الإنفاق، مزيد من المشاريع، ومزيد من الاستدانة المخطط لها بعناية.

وبحسب وثيقة الميزانية الجديدة، تخطط الرياض لإنفاق 1.3 تريليون ريال (نحو 350 مليار دولار) العام المقبل، مع الحفاظ على مستوى مشابه حتى 2027.

وسيؤدي هذا الحجم من الإنفاق إلى عجز مالي متوقع بنحو 3.3% من الناتج المحلي الإجمالي في 2026، وهو رقم كان من شأنه أن يثير القلق لدى اقتصاديين ومستثمرين في أي دولة تعتمد على النفط. لكن في السعودية الصورة مختلفة.

يرى وزير المالية السعودي محمد الجدعان أن العجز ليس مصدر خطر، بل “أداة سياسية” تُستخدم لدفع الاستثمار والتنويع الاقتصادي.

ويعد هذا الموقف امتدادًا لعقيدة اقتصادية جديدة تتبناها المملكة منذ إطلاق رؤية 2030، تقوم على التحرر من دورات النفط، والرهان على القطاعات غير النفطية كقاطرة للنمو.

وتستند الاستراتيجية السعودية إلى فرضية أن العائد المتوقع من المشاريع — سواء في السياحة، أو النقل والخدمات اللوجستية، أو الصناعات الجديدة، أو تقنيات الذكاء الاصطناعي — يفوق تكلفة الاقتراض.

وبما أن الدين العام لا يزال أقل من 40% من الناتج المحلي، وهي نسبة منخفضة عالميًا، فإن الحكومة ترى مساحة آمنة تسمح بالاقتراض دون تهديد الاستقرار الاقتصادي أو الثقة في الأسواق.

وجعل هذا النهج السعودية واحدة من أكثر الدول اقتراضًا في الأسواق الناشئة هذا العام، حيث جمعت ما يقرب من 20 مليار دولار من الإصدارات الدولية.

وعلى الرغم من ذلك، لا تظهر مؤشرات على قلق المستثمرين، ما يعكس الثقة في قدرة المملكة على خدمة ديونها وفي مشاريع التحول الجاري تنفيذها.

وعلى جانب الإيرادات، تتحرك أسعار برنت في نطاق الستينيات المنخفضة إلى المتوسطة، أقل بكثير من سعر التوازن الذي تحتاجه السعودية لميزانية صفرية.

ورغم تحسن طفيف مقارنة بتراجع الربيع الماضي، فإن مداخيل النفط لا تزال أقل من متوسط السنوات الخمس الماضية. ومع ذلك، لم تعد الرياض تتعامل مع هذه الأرقام باعتبارها عنصرًا حاسمًا في رسم مسار الإنفاق.

فلسفة “فك الارتباط” عن تقلبات النفط أصبحت جزءًا مركزيًا من التخطيط المالي للمملكة. فالنفط لم يعد المحرك الوحيد للنمو أو معيار اتخاذ القرارات المالية. وتصر الرياض على أن مشاريع التحول الاقتصادي يجب أن تواصل مسارها، حتى لو بقيت أسعار النفط دون المستوى المأمول.

وتُظهر البيانات الرسمية أن المملكة أجرت مراجعات هادئة على بعض أضخم مشاريع رؤية 2030. الهدف لم يكن الإلغاء، بل إعادة التوقيت وتعديل النطاقات لتجنب فرط النشاط الاقتصادي وارتفاع التضخم. مثل هذه التعديلات تعكس رغبة في الحفاظ على زخم التحول دون إنهاك الاقتصاد المحلي أو خلق اختناقات في سلاسل الإمداد والعمالة.

وتشير الأرقام الحكومية إلى أن القطاع غير النفطي يشكل الآن أكثر من نصف الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي — وهو إنجاز استراتيجي يعكس نجاح جهود التنويع.

وتتوقع الرياض نمو الاقتصاد بنسبة 4.6% في 2026 و3.7% في 2027، عبر السياحة، والخدمات اللوجستية، والصناعة، والتقنيات الحديثة.

ويعتمد هذا التحول التدريجي من اقتصاد ريعي على النفط إلى اقتصاد متنوع يعتمد على الإنتاج والخدمات يبرر، في نظر الحكومة، الاستمرار في الإنفاق حتى لو كانت أسعار النفط في حالة ركود.

ومنذ سنوات، تؤكد السعودية أن سوق النفط لم يعد هو البوصلة. ميزانية 2026 تعزز هذه الرسالة بوضوح: المملكة مستمرة في الإنفاق، مستمرة في الاقتراض، ومستمرة في إعادة تشكيل اقتصادها، حتى لو بقيت أسعار النفط خارج نطاق التعاون.

وتحمل هذه الاستراتيجية مخاطر بلا شك، لكنها تعكس ثقة الحكومة في قدرتها على بناء اقتصاد جديد أكثر صلابة، وفي أن الدين — عندما يُدار بحساب — يمكن أن يكون محفزًا للنمو لا عبئًا عليه.

You may also like

Leave a Comment