دخل الصراع السوداني منعطفًا جديدًا مع سيطرة قوات الدعم السريع على أراضٍ استراتيجية قرب حدود السودان مع ليبيا ومصر، في خطوة يُنظر إليها على نطاق واسع كإشارة على إضفاء بُعد إقليمي أعمق على حربٍ تمزج بين الذهب والسياسة، وتُهدد بفتح جبهات جديدة في الشمال السوداني.
وأكدت مصادر عسكرية وميدانية أنّ القوات المسلحة السودانية رفعت حالة التأهب القصوى في شمال البلاد، بعد تقدّم قوات الدعم السريع إلى منطقة «المثلث الحدودي» المتنازع عليها بين السودان ومصر وليبيا. وتُعتبر المنطقة ممرًا حيويًا للذهب وطرق التهريب وشبكات الإمداد، ما يعزز أهميتها الاستراتيجية لكلا طرفي النزاع.
وقال مسؤول أمني سوداني في تصريح خاص لـ«ميدل إيست آي» إن هذا التطور «ينذر بتوسّع الصراع نحو حدود مصر وليبيا، وربما استدعاء أطراف إقليمية جديدة إلى ساحة الحرب».
ورغم خسارة قوات الدعم السريع لمساحات واسعة في وسط السودان، عقب استعادة الجيش السوداني ولايات الخرطوم والجزيرة وسنار، إلا أن تقدّمها الأخير يُعد مكسبًا بالغ الأهمية. وأفادت تقارير بأن قادة قوات الدعم السريع يخططون لإعلان حكومة موازية في غرب السودان، في خطوة تهدد بتقسيم البلاد فعليًا إلى إدارتين متوازيتين.
في المثلث الحدودي، شهدت الأيام الماضية مواجهات عنيفة، رافقتها اتهامات بانتهاكات جسيمة. وقال عمال مناجم فرّوا من المنطقة إن مقاتلي قوات الدعم السريع، بمساندة عناصر ليبية موالية للجنرال خليفة حفتر، نفّذوا عمليات نهب وهجمات دفعتهم للهروب عبر الصحراء نحو مصر.
قال أحد عمال المناجم، طالبًا عدم نشر اسمه لدواعٍ أمنية: «بعد هجمات الدعم السريع والنهب الواسع، أدركنا ضرورة الهرب فورًا. قطعنا أكثر من 30 كيلومترًا سيرًا على الأقدام حتى وصلنا إلى معبر أرقين الحدودي مع مصر». وأكد أن الجيش المصري أعادهم لاحقًا إلى الجانب السوداني.
وأضاف: «في جوهرها، هذه معركة على الثروة والسلطة. المثلث الحدودي الغني بالذهب مثال حي على ذلك».
بالمقابل، نفت قوات الدعم السريع عبر قناتها على «تيليجرام» تورطها في أي أعمال نهب أو انتهاكات، ونشرت مقاطع فيديو تُظهر استقبالًا شعبيًا لقواتها في المنطقة، وقياديين يخاطبون الحشود متعهدين بحماية السكان.
لكن على الأرض، تتزايد المخاوف من تصاعد العنف. إذ أكدت المنظمة الدولية للهجرة فرار أكثر من أربعة آلاف شخص، كثير منهم من القاصرين، من المثلث الحدودي باتجاه مناطق آمنة، وسط شهادات عن فقدان ممتلكاتهم بالكامل.
ومع استكمال السيطرة على المثلث الحدودي، دفعت قوات الدعم السريع بتعزيزات جديدة نحو واحة كرب التوم قرب جبال العوينات، مواصلةً توغلها شمالًا. كما حاولت الميليشيا شنّ هجمات على قرى محيطة بمدينة الدبة في الولاية الشمالية، ما أثار ذعر الأهالي ودفعهم للنزوح أو التسلح للدفاع عن قراهم.
وقال خلف الله محمد عبده، أحد سكان حلفا، لـ«ميدل إيست آي»: «أغلقت الأسواق خوفًا من هجوم وشيك. الأمور بدأت تعود تدريجيًا، لكن الناس باتوا مستعدين لحمل السلاح. هناك آلاف المتطوعين يتلقون تدريبات عسكرية حاليًا».
في المقابل، كثّفت القوات المسلحة السودانية وجودها في مناطق استراتيجية مثل دنقلا والخناق والدبة، بالتعاون مع قوات حليفة من متمردي دارفور السابقين، في محاولة لمنع المزيد من تقدم الدعم السريع شمالًا.
وقال عضو في لجنة شباب حلفا: «وضعنا خلافاتنا الداخلية جانبًا واتحدنا لمواجهة الخطر المشترك. بدأنا بالفعل تخزين الأسلحة وتدريب الشباب تحت إشراف عسكري».
وأمام هذه التطورات، يرى محللون أن الصراع السوداني يتجه أكثر فأكثر نحو خارطة إقليمية معقدة، حيث تتداخل المصالح الليبية والمصرية، وتصبح السيطرة على المناطق الغنية بالذهب على الحدود مفتاحًا للنفوذ والسلطة في بلد غارق في حربٍ مدمّرة.
ويحذر مراقبون من أن استمرار النزاع في المثلث الحدودي قد يشعل مواجهة إقليمية أوسع، تُهدد ليس فقط استقرار السودان، بل أمن دول الجوار، في ظل اتهامات متبادلة بدعم أطراف خارجية لهذا الطرف أو ذاك.
وفي ظل غياب أفق قريب للحل السياسي، يخشى سكان المناطق الحدودية أن تتحول أراضيهم إلى ساحة صراع جديدة في حربٍ لا تبدو لها نهاية قريبة.