في مواجهة تطور أدوات الشبكات الإجرامية داخل القارة الأوروبية، أعرب وزراء العدل في دول الاتحاد الأوروبي عن قلقهم المتزايد من أن المجرمين باتوا يستخدمون التكنولوجيا الحديثة — وعلى رأسها تحديثات الهواتف الذكية المدعومة بالذكاء الاصطناعي — للتهرب من إنفاذ القانون. ودعوا إلى إصلاحات تشريعية تمنح السلطات قدرات جديدة تتناسب مع طبيعة الجريمة في العصر الرقمي.
جاءت هذه التصريحات خلال اجتماع وزاري انعقد في العاصمة الدنماركية كوبنهاجن، حيث اجتمع وزراء العدل من دول الاتحاد لمناقشة التحديات الأمنية المتزايدة المرتبطة بالتقدم التكنولوجي.
الهواتف الذكية… “ملاذ آمن” للمجرمين؟
وقال وزير العدل الدنماركي، بيتر هوملجارد، في تصريح لوسائل الإعلام: “حتى أغبى المجرمين اليوم يمكنهم تفادي الملاحقة بمجرد استخدام هاتف آيفون”. وأضاف أن تحديثات الهواتف الحديثة، خاصة تلك المزودة بخدمات تشفير مدعومة بالذكاء الاصطناعي، تخلق فجوة واسعة بين قدرات المجرمين وأدوات إنفاذ القانون.
واستشهد الوزير الدنماركي بالمسلسل الأمريكي الشهير The Wire كمثال على السباق المستمر بين المجرمين والشرطة، موضحًا أن الوضع اليوم أشد تعقيدًا بسبب ما وصفه بـ”الابتكارات الرقمية المتسارعة”، مثل ميزة تشفير الرسائل المولدة عبر الذكاء الاصطناعي، والتي يمكن أن تصبح أداة فعالة في يد العصابات.
إصلاح محتمل لقانون حماية البيانات الأوروبي
في هذا السياق، طرح الوزراء الأوروبيون فكرة تعديل اللائحة العامة لحماية البيانات (GDPR)، والتي تعتبر حجر الأساس في قانون الخصوصية بالاتحاد الأوروبي، لإيجاد توازن بين حماية الحقوق الرقمية للأفراد، وتمكين الشرطة من تتبع الأنشطة الإجرامية بفعالية أكبر.
وقال هوملجارد: “علينا أن نقرّ بأن المجرمين يسبقوننا بخطوة دائمًا. لذا نحن بحاجة إلى قواعد جديدة مرنة، تتيح لنا التصرف بسرعة”.
كما أشار إلى أنه في بعض الأحيان، يصبح عجز السلطات عن فك تشفير المحتوى الرقمي تهديدًا للأمن القومي، داعيًا إلى تكييف التشريعات الأوروبية مع الواقع الأمني الجديد، حتى لا تتحول أوروبا إلى “جنة رقمية للمجرمين”.
المفوضية الأوروبية تدرس الاقتراحات
من جانبه، قال مفوض العدل في الاتحاد الأوروبي، مايكل ماكجراث، إن المفوضية ستدرس بعناية المقترحات التي تقدم بها الوزراء، مؤكدًا أن الموازنة بين الأمن العام وخصوصية الأفراد ستظل أولوية قصوى.
وأوضح ماكجراث أن الهدف ليس تقويض الحريات، بل “منع استغلال أدوات الحماية والخصوصية في عمليات غير قانونية تقوّض الثقة العامة وتقوّي الجريمة العابرة للحدود”.
صراع مستمر بين الخصوصية والأمن
ورغم أن أوروبا لطالما اعتُبرت مدافعًا شرسًا عن الحريات الرقمية، إلا أن تصاعد الجرائم الإلكترونية، وانتشار شبكات الاتجار بالبشر والمخدرات والأسلحة باستخدام أدوات تكنولوجية حديثة، بات يفرض واقعًا جديدًا. يرى كثيرون أن التوازن الدقيق بين الخصوصية والقدرة على التحقيق صار أكثر هشاشة من أي وقت مضى.
وقد أثارت هذه الدعوات بعض المخاوف لدى منظمات حقوق الإنسان والمجتمع المدني التي تخشى من أن يؤدي تعديل قوانين حماية البيانات إلى فتح الباب أمام المراقبة الزائدة.
ومع ذلك، يبدو أن الحكومات الأوروبية تتجه إلى تشديد موقفها، وسط قناعة بأن استمرار الوضع الحالي قد يسمح للجريمة المنظمة بأن تنمو بحرية داخل هوامش التكنولوجيا غير المنظمة.