الإيكونوميست: السيسي أكبر الخاسرين في الشرق الأوسط الجديد

by hayatnews
0 comment

قبل نحو عقد من الزمن، بدا أن عبد الفتاح السيسي، الجنرال الذي استولى على السلطة في مصر بانقلاب عسكري عام 2013، يقف في قلب التحولات الجيوسياسية في الشرق الأوسط. في أبريل 2017، استُقبل بحفاوة في البيت الأبيض من قبل الرئيس الأمريكي آنذاك دونالد ترامب، ثم ظهر إلى جانب ترامب والملك السعودي سلمان في الرياض خلال تدشين مركز لمحاربة الإرهاب، في مشهد بدا أنه يكرّس دور القاهرة كركيزة أساسية في التحالفات الإقليمية الناشئة.

لكن بعد ثمانية أعوام، تغيّرت المعادلات. فحين عاد ترامب في مايو 2025 إلى الرياض للحديث عن رؤيته لـ”شرق أوسط جديد”، لم يتلق السيسي دعوة. وبدلاً من الجلوس مع صانعي القرار الحقيقيين، طار إلى بغداد لحضور قمة عربية باهتة شارك فيها عدد قليل من القادة، فيما أرسلت أغلبية الدول ممثلين من الصف الثاني، ما عكس بوضوح تراجع مكانة مصر الإقليمية.

الشرق الأوسط يمر بتحول نوعي، لا تُقاس فيه المكانة بعدد السكان أو الجيوش، بل بالاستقرار الاقتصادي والقدرة على اجتذاب الاستثمارات والانخراط بفعالية في شبكات النفوذ الجديدة. في هذا السياق، أصبحت دول الخليج، التي تجمع بين الثروة والسيولة والاستقرار النسبي، هي من ترسم السياسات وتحدد التحالفات. أما مصر السيسي، فقد باتت على هامش اللعبة.

من القوة إلى التهميش
الإيكونوميست لا تُجامل: السيسي يلام بشكل مباشر على هذا الانحدار. فمنذ وصوله إلى الحكم، اختار الجنرال الطريق الأسهل سياسياً والأخطر اقتصادياً: إغراق الدولة في ديون خارجية لتمويل مشروعات ضخمة لا مردود لها، مثل العاصمة الإدارية الجديدة، بدلاً من تحفيز القطاع الخاص، أو إجراء إصلاحات هيكلية كانت ستساعد على بناء اقتصاد منتج ومستدام.

تشير المجلة إلى أن ديون مصر تجاوزت 90% من الناتج المحلي الإجمالي، وأن البلاد باتت تعتمد كليًا على دعم خارجي من دول الخليج وصندوق النقد الدولي. ومنذ 2013، حصلت القاهرة على ما لا يقل عن 45 مليار دولار كمساعدات من الخليج، إلى جانب قروض ضخمة من مؤسسات دولية. لكن هذا النموذج وصل إلى نهايته. المانحون الخليجيون، الذين كانوا يتعاملون مع مصر باعتبارها ثقلاً إقليميًا، باتوا ينظرون إليها كعبء مزمن لا مردود فعليًا منه.

منافسة جديدة على الدعم
التحولات الأخيرة في لبنان وسوريا زادت من حدة مأزق مصر. فبدلاً من أن تكون هي الأولوية في خطط الإنعاش الخليجية، بدأت العواصم الخليجية تنظر إلى هذين البلدين – رغم مشكلاتهما العميقة – كمواقع أكثر جاذبية للاستثمار السياسي والاقتصادي.

في لبنان، تعهّد الرئيس الجديد جوزيف عون بنزع سلاح حزب الله وإطلاق إصلاحات اقتصادية. وفي سوريا، وعدت الحكومة المؤقتة بخصخصة الشركات الحكومية وجذب استثمارات أجنبية. ورغم أن هذه التعهدات ما زالت على الورق، إلا أنها وفّرت لدول الخليج والولايات المتحدة مبررًا جديدًا لتوجيه دعمها إلى دول أخرى غير مصر.

بالمقابل، ما الذي قدمه السيسي؟ مشروع تلو الآخر ينهار، ونظام مغلق يتسم بالقمع والفساد، واقتصاد هش ينهار مع كل صدمة. المساعدات التي تتلقاها مصر لم تعد تُحدث فرقًا سوى على المدى القصير، وهو ما دفع الإيكونوميست إلى وصف هذه المساعدات بأنها لا “تشتري سوى وقت حتى أزمتها المالية التالية”.

تراجع الدور السياسي
التراجع المصري لا يقتصر على الجانب الاقتصادي فقط. على المستوى السياسي، لم تعد القاهرة لاعبًا محوريًا في الملفات الإقليمية الحساسة. في الملف الفلسطيني، لم تعد الوساطة المصرية تحظى بثقة الأطراف، في ظل تصاعد الدورين القطري والقطري-الأمريكي. وفي الملف السوداني، بدت القاهرة مترددة ومربكة، في حين تقدمت أبوظبي لتلعب دورًا أكثر حسمًا، ولو بطرق مثيرة للجدل.

أما في سوريا ولبنان، فإن النفوذ المصري يكاد يكون معدومًا. اللقاءات الاستراتيجية تُعقد في الرياض وأبوظبي وواشنطن، ولا يُستدعى إليها السيسي. وحتى العراق، الذي يشترك مع مصر في موقع رمزي كدولة مركزية سابقة، بات يُنظر إليه كقضية خاسرة بالكامل، بسبب تغلغل الميليشيات. لكن الفرق أن بغداد لا تدّعي قيادة المنطقة، بينما لا يزال السيسي يروّج لصورة مصر “الرائدة”، رغم كل المؤشرات المعاكسة.

شرق أوسط مختلف… ومصر خارجه
وفق تحليل الإيكونوميست، الشرق الأوسط الجديد يُبنى اليوم على أسس مصلحية واضحة: من يستطيع الوفاء بوعوده؟ من يملك مقومات الاستقرار؟ من لديه رؤية اقتصادية قابلة للتنفيذ؟ ووفق هذه المعايير، فإن مصر السيسي لم تعد مؤهلة للعب دور مؤثر. لقد أضاعت عشر سنوات في استنزاف الموارد، وتهميش مؤسساتها، وتأجيل الإصلاح الحقيقي.

المثير أن من كان يُنظر إليهم بالأمس كقضايا خاسرة – سوريا ولبنان – باتوا اليوم يطرحون أنفسهم كفرص، ولو نظريًا. في المقابل، مصر، التي كانت تُمثل في السابق “الوزن الثقيل” العربي، تبدو اليوم عالقة في حلقة مفرغة من الأزمات.

خلاصة
“ربما ينقسم الشرق الأوسط الآن ليس على أسس أيديولوجية كما في الماضي، بل بين الحكومات التي تستطيع الوفاء بوعودها وتلك التي لا تستطيع” – بهذه العبارة تختتم الإيكونوميست تقييمها للوضع الجديد في المنطقة.

وفي هذا الشرق الأوسط الذي يتشكل دون ضجيج، يبدو أن عبد الفتاح السيسي، الذي بدأ مشروعه السياسي تحت لافتة “الاستقرار والأمن”، بات أكبر الخاسرين.

You may also like

Leave a Comment