تشهد منطقة الخليج تحولات لافتة في مسارات تدفق رؤوس الأموال. فبينما تتسارع الاستثمارات الخارجية لدولة الإمارات لتجعلها مُصدّرًا رئيسيًا لرأس المال الدولي، تعيد السعودية ترتيب أولوياتها لتصبح وجهة جاذبة للاستثمار الأجنبي المباشر أكثر من كونها مصدرًا له.
ويوضح تقرير ماكينزي الذي نشرته سيمافور هذا التباين بجلاء، ويعكس اختلاف استراتيجيات البلدين في إدارة فوائض النفط وتحقيق الطموحات الاقتصادية.
ووفق التقرير، ارتفعت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى السعودية بنسبة 60% بين عام 2022 ومايو 2025. هذه الزيادة تعني أن المملكة أصبحت تمتص المزيد من رؤوس الأموال العالمية، مدفوعة بمشروعات رؤية 2030 التي تركز على التنويع الاقتصادي، من السياحة والترفيه إلى التكنولوجيا والبنية التحتية.
في المقابل، ارتفعت استثمارات السعودية الخارجية بنسبة 46% فقط خلال الفترة نفسها، ما يشير إلى تحول استراتيجي: الرياض لم تعد تضخ الفوائض النفطية في الخارج بالوتيرة السابقة، بل تعيد تدويرها داخل الاقتصاد المحلي.
هذا التحول يحمل دلالتين:
إيجابية: نجاح المملكة في جذب الشركات العالمية إلى مشاريعها الضخمة مثل نيوم والقدية وأمالا.
سلبية: انكماش دور السعودية التقليدي كمصدر سيولة عالمي، وهو ما ينعكس على اقتصادات وأسواق كانت تعتمد تاريخيًا على “إعادة تدوير البترودولار” السعودي.
الإمارات: مُصدِّر متعاظم لرأس المال
على النقيض، اتخذت الإمارات مسارًا توسعيًا في الخارج. فقد تضاعفت استثماراتها الخارجية أكثر من ثلاث مرات لتصل إلى 95 مليار دولار، متجاوزة بكثير الاستثمارات التي جذبتها محليًا (17 مليار دولار فقط).
هذا النمط يعكس استراتيجية الإمارات في تعزيز نفوذها عبر:
الاستحواذات العالمية لصناديقها السيادية (جهاز أبوظبي للاستثمار، مبادلة، ADQ).
الاستثمارات في التكنولوجيا والطاقة في أوروبا وأميركا وآسيا.
التمركز كمركز مالي عالمي يربط رؤوس الأموال الشرق أوسطية بالأسواق الغربية والآسيوية.
بهذا، تتحول الإمارات إلى لاعب يشبه سنغافورة أو هونغ كونغ، حيث التركيز على تصدير رأس المال كأداة نفوذ جيو–اقتصادي.
انعكاسات على الاقتصاد العالمي
التباين بين السعودية والإمارات يترك بصمات واضحة على المشهد المالي العالمي:
الأسواق التي اعتمدت على الأموال السعودية في السندات والأسهم والعقارات قد تواجه انحسارًا في التدفقات.
في المقابل، الأموال الإماراتية تتدفق بقوة لتعويض هذا الفراغ، خصوصًا في قطاعات الذكاء الاصطناعي، الطاقة المتجددة، والتكنولوجيا الحيوية.
هذا التغيير يعيد تشكيل صورة الخليج: السعودية مركز جذب للاستثمار الداخلي، والإمارات مصدر سيولة عالمي.
المنافسة الخليجية: تكامل أم تنافس؟
رغم أن المسارين مختلفان، إلا أن هناك مساحة للتكامل:
السعودية تحتاج إلى رأس المال الأجنبي والخبرة العالمية لبناء مشاريعها العملاقة.
الإمارات تحتاج إلى أسواق ضخمة لاستيعاب توسع استثماراتها الخارجية.
لكن في الوقت نفسه، هناك جانب تنافسي، إذ تسعى كل دولة لفرض نفسها كمركز إقليمي أول للاستثمار والتمويل. هذا التنافس يظهر في سعي أبوظبي ودبي لاستقطاب المقرات الإقليمية للشركات التي تحاول الرياض جذبها عبر سياسات الإلزام بالمقر المحلي بحلول 2024–2025.