في ظل أزمة مالية حادة تواجهها الأمم المتحدة، تستعد المنظمة الدولية لخفض ميزانيتها بنسبة 20% خلال عام 2026، ما قد يؤدي إلى فقدان آلاف الوظائف.
يأتي هذا القرار كجزء من جهود إصلاح شاملة تهدف إلى تحسين كفاءة المنظمة وخفض تكاليفها التشغيلية، لكنه يثير مخاوف واسعة بشأن تأثيره على عمل الأمم المتحدة وقدرتها على تنفيذ مهامها الحيوية في مختلف أنحاء العالم.
تُشير وثيقة داخلية إلى أن الميزانية الحالية للأمم المتحدة تبلغ حوالي 3.7 مليار دولار، وأن التخفيض المخطط له يعادل تقليصًا جوهريًا في الموارد المالية المتاحة.
وكُلف الموظفون بتحديد مجالات التخفيضات، بما في ذلك تقليل عدد الوظائف والمناصب، بحلول منتصف يونيو 2025، لتبدأ التخفيضات رسميًا مع بداية العام المالي الجديد في يناير 2026.
يرى مراقبون أن هذه الإجراءات تأتي في إطار مبادرة إصلاحية أطلقتها الأمم المتحدة في مارس بهدف جعل المنظمة أكثر فاعلية من حيث التكلفة، عبر اتخاذ خطوات “جريئة وفورية” لتعديل طريقة عملها.
ويُعزى جزء كبير من الأزمة المالية إلى مشكلة تراكم الديون من الدول الأعضاء، وخاصة دولة عضو كبرى تتحمل حصة الأسد في تمويل المنظمة، لكن لم تُسدَّد التزاماتها في الوقت المناسب.
في تصريحات خلال اجتماع غير رسمي للدول الأعضاء، أكد الأمين العام أن أزمة السيولة التي تواجهها الأمم المتحدة “ناجمة عن المتأخرات”، مع وجود ديون ضخمة، معظمها من دولة واحدة وبعض الدول الأخرى، مما يشكل عائقًا رئيسيًا أمام الأداء المالي للمنظمة.
وشدد على أن حل هذه الأزمة لن يكون ممكنًا إلا بسداد الدول مساهماتها كاملة وفي مواعيدها، وهو ما من شأنه أن يعزز كفاءة العمل الأممي ويخفف من حدة الأزمة المالية.
التخفيضات المقترحة لن تقتصر على الميزانية العامة فقط، بل تشمل أيضًا تقليصًا في أعداد العاملين. ففي أبريل، أعلن رئيس الشؤون الإنسانية أن الوكالة الأممية ستضطر إلى خفض 20% من قوتها العاملة بسبب تخفيضات في التمويل من جانب الولايات المتحدة، مما يعكس حالة الضغط المالي التي تضرب مختلف فروع الأمم المتحدة.
تشير الأرقام إلى أن الولايات المتحدة وحدها تدين للأمم المتحدة بمبلغ يقارب 2.8 مليار دولار حتى بداية عام 2025، يشمل هذا نحو 1.5 مليار دولار من الاشتراكات غير المسددة للميزانية العادية، وحوالي 1.3 مليار دولار خاصة بعمليات حفظ السلام والمحاكم الدولية.
وبموجب صيغة التمويل المتفق عليها، تتحمل الولايات المتحدة ما نسبته 22% من الميزانية العادية و27% من تكاليف عمليات حفظ السلام، ما يجعل تأخرها في السداد عبئًا كبيرًا على المنظمة.
تتزامن هذه التحديات المالية مع مطالب داخلية وخارجية بالإصلاحات الهيكلية، والتي تهدف إلى جعل الأمم المتحدة أكثر مرونة وفعالية في مواجهة الأزمات العالمية. ورغم أن تقليص الميزانية والتوظيف يُعد إجراءً صعبًا، إلا أن القادة في المنظمة يرونها ضرورية لضمان استدامة عملها في المستقبل.
ومع ذلك، فإن تقليص الموارد يثير قلقًا واسعًا حول قدرة الأمم المتحدة على الاستمرار في أداء مهامها، خصوصًا في مجالات الإغاثة الإنسانية، حفظ السلام، ودعم التنمية، والتي تعتمد بشكل كبير على كفاءة وفعالية الأفراد العاملين. ويخشى البعض أن تؤدي هذه التخفيضات إلى تراجع في مستوى الخدمات والبرامج التي تقدمها المنظمة على الصعيد العالمي.
في هذا السياق، يستمر الجدل حول دور الدول الكبرى في دعم الأمم المتحدة بشكل مسؤول ومستدام، خاصة مع استمرار تأخر تسديد الاشتراكات المالية التي تمثل العمود الفقري لميزانية المنظمة. ويؤكد كثيرون على أن أي إصلاح حقيقي لن يكتمل بدون التزام فعلي من جميع الدول الأعضاء بسداد مستحقات المنظمة في الوقت المحدد.
في الختام، تواجه الأمم المتحدة تحديًا ماليًا غير مسبوق يتطلب موازنة دقيقة بين تقليص النفقات وإبقاء قدراتها التشغيلية الحيوية فعالة. وفي ظل استمرار الأزمة، يبقى المستقبل غير واضح، مع توقعات أن تؤثر هذه الإجراءات على مئات الآلاف من المستفيدين من خدمات المنظمة حول العالم.