أعلنت الحكومة الأردنية عن تفاصيل خطة إعادة العمل بالتجنيد الإجباري، في خطوة وُصفت بأنها ذات أبعاد وطنية وأمنية في ظل تصاعد التوترات الإقليمية والحرب في غزة. ويبدأ البرنامج الجديد في فبراير/شباط المقبل بمشاركة 6 آلاف شاب من مواليد عام 2007، في خدمة إلزامية مدتها ثلاثة أشهر يحصلون خلالها على راتب أساسي، وسط تشديدات لافتة أبرزها منع استخدام الهواتف المحمولة داخل المعسكرات.
وقد أنهى الأردن الخدمة العسكرية الإلزامية عام 1991، حين كان رسميًا في حالة حرب مع إسرائيل، ليعتمد منذ ذلك الحين على جيش محترف مدعوم بشكل كبير من الولايات المتحدة. واليوم، وبعد مرور 34 عامًا، أعادت السلطات تفعيلها جزئيًا، مبررة القرار بمتطلبات المرحلة الإقليمية وتعزيز روح الانتماء الوطني.
وقال المتحدث باسم الجيش العميد مصطفى الحياري إن البرنامج سيشمل بدايةً مواليد 2007 فقط، مشيرًا إلى أن من لم يتم استدعاؤه سيتعين عليه تقديم طلبات تأجيل تتيح له متابعة الدراسة أو السفر إلى الخارج. وأضاف أن المجندين سيحصلون على راتب شهري يعادل 140 دولارًا، وسيسمح لهم بقضاء عطلات نهاية الأسبوع مع عائلاتهم، لكن لن يُسمح لهم بالاحتفاظ بالهواتف الذكية أثناء فترة التدريب.
تهرّب يعاقب بالسجن
شددت الحكومة الأردنية على أن التهرّب من الخدمة سيواجه بعقوبة السجن لمدة لا تقل عن ثلاثة أشهر. وقال المتحدث باسم الحكومة محمد المومني: “هذا ليس مجرد تدريب عسكري، بل مشروع وطني شامل يهدف إلى بناء جيل أكثر وعيًا وانضباطًا”.
وكشف المومني أن الخطة تستهدف رفع عدد المجندين سنويًا إلى 10 آلاف في المدى القريب، معتبرًا أن هذا المشروع يعزز “مناعة الدولة في وجه التحديات الأمنية والإقليمية المتزايدة”.
ويأتي القرار الأردني في ظل الحرب الإسرائيلية على غزة والتصعيد المستمر في الضفة الغربية، حيث تخشى عمّان من تدفق موجات جديدة من اللاجئين الفلسطينيين على غرار عامي 1948 و1967.
ومنذ اندلاع الحرب، كثف الأردن تحركاته الدبلوماسية وأعلن وقف التعاون مع إسرائيل في مشاريع تنموية، في حين واصل استيراد المياه والغاز منها. كما نفذ الجيش الأردني عشرات عمليات الإسقاط الجوي للمساعدات في غزة بمشاركة دول أوروبية والإمارات.
وبالتوازي، يواصل الجيش الأردني مواجهة تهديدات على حدوده الشمالية، حيث أعلن في الأشهر الأخيرة إسقاط طائرات مسيّرة محملة بالمخدرات قادمة من سوريا. وكان الملك عبد الله الثاني قد بحث في فبراير/شباط مع الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع تعزيز التعاون الأمني ضد التهريب.
أبعاد داخلية وأمنية
التجنيد الجديد يُنظر إليه أيضًا كأداة لتعزيز اللحمة الوطنية في ظل أزمات داخلية. فقد شهد الأردن هذا العام قرارًا مثيرًا للجدل بحظر جماعة الإخوان المسلمين، بعد اتهام بعض عناصرها بمحاولات تصنيع أسلحة داخل البلاد.
ولي العهد الأمير الحسين بن عبد الله أعلن عن الخطة رسميًا يوم الأحد، مؤكدًا أن “البرنامج يعزز الهوية الوطنية، ويهيئ الشباب لتحمل المسؤولية والدفاع عن وطنهم”.
وقوبل القرار بترحيب واسع بين العسكريين والسياسيين المتقاعدين. وقال اللواء المتقاعد هشام خريسات لوكالة الأنباء الأردنية (بترا): “في عصر التغيرات المتسارعة والأزمات المتشابكة، نحن بحاجة ماسة إلى جيل مدرب وواعٍ وقادر على مواجهة التحديات”.
ويرى مراقبون أن البرنامج قد يفتح الباب أمام صيغة أوسع للتجنيد الوطني، تجمع بين البعد العسكري والتأهيل المهني والمدني، بما يتماشى مع احتياجات الشباب وسوق العمل في الأردن.