تواجه السلطات البرلمانية البريطانية اتهامات متصاعدة بمصادرة رموز ومنشورات مؤيدة لفلسطين، في ممارسات يُنظر إليها على أنها تضييق على حرية التعبير داخل المؤسسة التشريعية، وتحيّز واضح ضد الأصوات الداعية لحقوق الفلسطينيين.
ويأتي ذلك في سياق مناخ سياسي محتدم داخل بريطانيا عقب الاعتراف الرسمي بدولة فلسطين في سبتمبر/أيلول 2025، وتصاعد الانتقادات لأداء الحكومة تجاه العدوان الإسرائيلي على غزة.
وبدأت الأزمة حينما قال جون كيلي، سكرتير مجموعة “أصدقاء فلسطين” داخل الحزب الليبرالي الديمقراطي، إن شارة تحمل اسم المجموعة صودرت عند محاولته دخول البرلمان البريطاني يوم الاثنين 24 نوفمبر/تشرين الثاني.
وبحسب كيلي، التقط الماسح الضوئي الشارة عند مدخل كرومويل غرين لمجلس العموم، ليقوم موظفو الأمن بإخراجها من جيبه ومصادرتها وإعطائه إيصالاً يسمح له باستلامها عند المغادرة.
وأوضح كيلي أن مسؤولي الأمن أبلغوه بوجود “تعليمات واضحة من رقيب السلاح بمنع أي شارات تشير إلى فلسطين”، رغم أن الشارة تحمل اسم منظمة حزبية رسمية تتبع ثالث أكبر حزب في البرلمان.
وأضاف: “فوجئت حين أخبرني الموظف بأن شارة أصدقاء إسرائيل من الحزب نفسه ستكون مسموحة، لأنها – على حد تعبيره – ليست مثيرة للجدل”.
ردود فعل داخل الحزب الليبرالي الديمقراطي
أثارت الحادثة غضباً داخل أوساط الحزب الليبرالي الديمقراطي. فقد قالت آن ماري سيمبسون، رئيسة الحزب، إن ما حدث “غير مقبول بأي شكل”، مؤكدة أن أعضاء الحزب لا يجب أن يُعاقَبوا على حملهم اسم منظمة تابعة له.
أما البارونة ميرال حسين-إيسي، الرئيسة الفخرية للحزب، فاعتبرت أن هذه الحوادث “تكشف عن نمط مقلق من التمييز داخل مبنى يُفترض به أن يكون نموذجاً للحياد السياسي”.
وطالبت بإجراءات عاجلة تضمن معاملة الأصوات المؤيدة للفلسطينيين بالاحترام نفسه الذي تحظى به أي وجهة نظر سياسية أخرى.
مخاوف قانونية واتهامات بالتمييز
وجه المركز الدولي للعدالة للفلسطينيين رسالة رسمية بتاريخ 27 نوفمبر/تشرين الثاني إلى مديرة الأمن في البرلمان، أليسون جايلز، سرد فيها رواية كيلي وأشار إلى ورود شكاوى مماثلة من أفراد آخرين تمت مصادرة رموز فلسطينية منهم، مثل الكوفية أو شارات المؤسسات الحقوقية.
وقالت اللجنة إن هذه الممارسات قد ترقى إلى “تمييز مباشر” يخالف المادة 10 من قانون المساواة لعام 2010، خاصة في ظل اعتراف الدولة رسمياً بفلسطين.
وأكدت اللجنة أن التضييق على المواد المتعلقة بدولة اعترفت بها الحكومة يشكل “سابقة خطيرة” تمس حياد المؤسسة البرلمانية.
رد السلطات البرلمانية
جايلز نفت، في ردها المكتوب الذي اطّلع عليه موقع ميدل إيست آي، وجود أي سياسة تحظر ذكر فلسطين داخل البرلمان.
لكنها قالت إن موظفي الأمن اعتقدوا أن الشارة “شعار حملة سياسية يمكن استخدامه في مظاهرة داخل المبنى”.
وأضافت أنها مقتنعة بأن الموظفين “تصرفوا بحسن نية”، لكن سوء الفهم كان يمكن تفاديه من خلال “توضيح أفضل للسياسات”.
أما بشأن التصريح المزعوم حول “عدم إثارة الجدل” عند ذكر إسرائيل، فقالت جايلز إن موظفي الأمن الذين كانوا في المناوبة “لا يتذكرون” الإدلاء بهذا التعليق.
مصادرة وثائق العفو الدولية
لم تتوقف المزاعم عند الحادثة الأولى. فقد قالت منظمة العفو الدولية في المملكة المتحدة إن موظفي الأمن صادرو وثائق خاصة بها يوم الأربعاء 3 ديسمبر/كانون الأول، كانت مخصصة لحفل استقبال داخل البرلمان.
وتشمل هذه الوثائق ملفات تتعلق بـ“الإبادة الجماعية المستمرة في غزة”، وأخرى تتناول الوضع الحقوقي في هونغ كونغ.
وبحسب منظمة العفو، برّر موظفو الأمن الخطوة بأن تلك المواد “سياسية للغاية” و“مُثيرة للجدل”. وكانت الوثائق تتضمن مطالب واضحة، مثل إنهاء نظام الفصل العنصري الإسرائيلي، وحظر منتجات المستوطنات الإسرائيلية.
وقال المتحدث باسم البرلمان إن الموظفين يطبقون إرشادات عامة تقيد إدخال المواد ذات الطابع السياسي المباشر أو تلك التي قد تُستخدم في الحملات داخل المبنى، مضيفا أن بإمكان الزوار استعادة ما تمت مصادرته عند الخروج.
لكن المركز الدولي للعدالة للفلسطينيين وصف هذه التبريرات بأنها “محاولة لتغليف التمييز بغلاف بيروقراطي”، مؤكداً أن الواقع يعكس “إسكاتاً ممنهجاً للأصوات المؤيدة للفلسطينيين داخل البرلمان البريطاني”.
وقال جوناثان بورسيل، رئيس الشؤون العامة في المركز: “البرلمان يعني حرفياً مكان النطق والكلام، لكن ما نراه هو إخماد منظم لوجهات نظر معينة تتعلق بفلسطين، سواء كان ذلك بسياسة مكتوبة أو ممارسة عملية”.