على مدى الأعوام الثلاثة الماضية، تمكّن إيلون ماسك عبر خدمة الإنترنت الفضائي “ستارلينك” التابعة لشركة “سبيس إكس” من اختراق سوق الإنترنت الجوي سريع النمو، موقّعًا عقودًا مع كبريات شركات الطيران العالمية من “إير فرانس” إلى “الخطوط الجوية القطرية” و**”يونايتد إيرلاينز”**. ومع اقتراب دخول “الخطوط الجوية البريطانية” المنافسة إلى القائمة، يوجّه ماسك أنظاره إلى الشرق الأوسط، حيث تتركز بعض من أضخم وأفخم شركات الطيران العالمية.
شركات الطيران في مرمى “ستارلينك”
تقرير “بلومبيرغ” كشف أن “سبيس إكس” تخوض مفاوضات متقدمة مع “الخطوط الجوية السعودية”، ثالث أكبر ناقل جوي في المنطقة، في وقت عرضت فيه الخدمة على “طيران الخليج” و**”فلاي دبي”**. كما تحدثت مصادر عن مفاوضات غير معلنة مع “طيران الإمارات”، التي تمتلك أكبر أسطول للرحلات الطويلة في العالم، وهو ما قد يشكل نقطة تحول استراتيجية لماسك في تعزيز نفوذه على أحد أهم الممرات الجوية عالمياً.
ويقول محللون إن الحصول على عقود مع شركات شرق أوسطية، خصوصاً العملاقة منها مثل “الإمارات”، سيمنح “ستارلينك” قوة تنافسية هائلة أمام مزودين تقليديين مثل “إيكوستار” و**”فياسات”** و**”إس إي إس”**، الذين يهيمنون على سوق عالمي تُقدَّر قيمته بنحو 100 مليار دولار.
هيكل الخدمة وتكاليفها
يعتمد نظام “ستارلينك” على نحو 8,000 قمر صناعي في المدار الأرضي المنخفض، ما يتيح اتصالاً أسرع وأقل تأخيرًا من المنافسين الذين يستخدمون أقماراً ضخمة في المدار الثابت البعيد.
تجهيز طائرة بوينغ 737 قد يكلف نحو 300 ألف دولار.
تجهيز طائرة دريملاينر 787 يتجاوز نصف مليون دولار.
التكلفة الشهرية لكل مقعد تصل إلى نحو 120 دولارًا، مع رسوم مماثلة للبث التلفزيوني المباشر.
ويقول مسؤول في إحدى شركات الطيران: “الهيكل التجاري للستارلينك مختلف: الاستثمار كبير في البداية، لكنه يعِد بعائد أكبر عبر تحسين تجربة الركاب وزيادة الولاء”.
ميزة تنافسية في تجربة الركاب
لطالما عُرف الإنترنت الجوي بأنه خدمة بطيئة وباهظة الثمن. غير أن “ستارلينك” غيّر المعادلة، إذ يستطيع الركاب اليوم مشاهدة البث المباشر أو عقد اجتماعات عبر “زووم” على ارتفاع 30 ألف قدم.
ويقول أليكس ويلكوكس، الرئيس التنفيذي لشركة “JSX” الأمريكية: “ردود الفعل مذهلة: الركاب لا يصدقون السرعة. أعتقد أنهم سيسيطرون على السوق، وباستحقاق”.
ولعل ذلك ما دفع شركات مثل “الخطوط الجوية القطرية” إلى تقديم الخدمة خلال رحلة تجريبية مع ماسك في أكتوبر الماضي، وهو ما أثار ضجة إعلامية واسعة وأكد البعد التسويقي لـ”هالة ماسك” بجانب الجانب التقني.
تحديات تنظيمية وتقنية
رغم الإغراءات، تواجه “ستارلينك” عدة عقبات في المنطقة والعالم:
التراخيص: لم تحصل بعد على إذن للتشغيل في بعض الدول مثل الإمارات، ما قد يُجبر الطائرات على إيقاف الخدمة عند دخول أجوائها.
السياسات التجارية: إصرار “سبيس إكس” على تقديم الإنترنت مجانًا للركاب يتعارض مع خطط بعض الشركات التي تريد ربط الخدمة ببرامج الولاء أو درجات السفر.
الشروط الصارمة: تشترط “ستارلينك” تركيب الخدمة على كامل الأسطول قبل الإعلان عنها، وهو ما يمثل مخاطرة تشغيلية لشركات كبرى.
الأعطال: شهدت بعض طائرات “يونايتد” انقطاعات مؤقتة، فيما تأثر عشرات الآلاف من المشتركين في يوليو وأغسطس بعطل واسع.
المنافسة تشتد
المنافسون لا يقفون مكتوفي الأيدي.
“فياسات” وقّعت صفقات مع “أميركان إيرلاينز” و**”طيران الرياض”**.
“إس إي إس” عقدت شراكات مع “تاي إيرويز” و**”إمبراير”**.
كما بدأت هذه الشركات الترويج لحلول “متعددة المدارات” لزيادة الاستقرار وتفادي الانقطاعات.
ويرى خبراء أن الشرق الأوسط قد يكون ساحة المعركة الأهم، إذ يُمثل محوراً عالمياً للرحلات الطويلة بين آسيا وأوروبا وأمريكا الشمالية.
ونجاح “ستارلينك” يتقاطع مع شخصية ماسك المثيرة للجدل. فبعد أن ارتبط اسمه بريادة الفضاء والسيارات الكهربائية، بات الآن يُنظر إليه كـ”شخصية سياسية” نتيجة علاقاته المباشرة مع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ومشاركته في مبادرة “تقليص الحكومة”. هذا الجانب يجعل بعض الحكومات في الشرق الأوسط أكثر حذراً في توقيع عقود طويلة الأمد ترتبط باسمه.