تسبب إضراب مراقبي الحركة الجوية الفرنسيين لمدة يومين، في شلّ حركة الملاحة الجوية في أنحاء أوروبا، وأثار موجة من الغضب العارم بين شركات الطيران، التي حمّلت المفوضية الأوروبية مسؤولية ما وصفته بـ”العجز عن حماية السوق الموحدة”.
وبلغت فوضى الإضراب ذروتها الخميس والجمعة، حيث أُلغي أكثر من 1000 رحلة جوية، وتكبدت الشركات خسائر بملايين اليوروهات، فيما عبّرت شركات الطيران عن استيائها من شلل حركة الملاحة الجوية في بداية موسم العطلات الصيفية.
وقال مايكل أو ليري، الرئيس التنفيذي لشركة رايان إير، في تصريحات نارية لصحيفة بوليتيكو: “سيكون من الأفضل لو لم أضطر إلى إلغاء 400 رحلة وحرمان 70 ألف مسافر من عطلاتهم، فقط لأن مجموعة من مراقبي الحركة الجوية الفرنسيين اختاروا الإضراب الترفيهي”.
غضب من بروكسل وباريس
أوليري حمّل المسؤولية الكاملة لرئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، واصفاً إياها بأنها “سياسية عديمة الفائدة”، واتهمها بالتقاعس عن التحرك لحماية الرحلات الجوية الأوروبية، في الوقت الذي تتحدث فيه عن حماية السوق الموحدة.
وأضاف: “أطلقت فون دير لاين شعارات رنانة خلال خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي عن قداسة السوق الموحدة. لكن الآن، يمكن لمراقبي الحركة الجوية الفرنسيين أن يغلقوا سماء أوروبا دون أن يرف لها جفن”.
من جانبه، قال بنجامين سميث، الرئيس التنفيذي لمجموعة إير فرانس – كي إل إم، إن الإضراب “يُكلفنا ملايين اليوروهات”، مشيراً إلى أن هذه الإضرابات المتكررة باتت تشكل تهديداً لصورة فرنسا كوجهة سياحية رئيسية، خاصة في بداية موسم الصيف.
خلافات داخل فرنسا حول أسباب الإضراب
الإضراب جاء على خلفية نزاع بين نقابتي مراقبي الحركة الجوية والمديرية العامة الفرنسية للطيران المدني، بسبب نقص الموظفين واعتماد نظام جديد لمراقبة حضور العاملين.
وبحسب وكالة الأنباء الفرنسية، شارك في الإضراب يوم الخميس نحو 270 مراقباً من أصل 1400. وتشير النقابات إلى نقص مزمن في أعداد الموظفين، ما ينعكس سلباً على كفاءة العمل والسلامة.
ويدعم هذا الطرح تقرير فرنسي سابق كشف عن حادث اصطدام وشيك بين طائرة تابعة لـ”إيزي جيت” وطائرة خاصة في مطار بوردو عام 2022، بسبب عمل ثلاثة مراقبين فقط بدلاً من العدد المطلوب وهو ستة.
لكن شركات الطيران ترى أن المشكلة تكمن في “سوء التنظيم”، كما قال أو ليري، الذي أكد أن “عدد مراقبي الحركة الجوية في فرنسا كافٍ، لكن إدارتهم سيئة للغاية”.
أوروبا تدفع الثمن
الإضراب لا يؤثر فقط على الرحلات من وإلى فرنسا، بل يشلّ الرحلات العابرة فوق أجوائها. وقال أو ليري: “من غير المقبول أن أُضطر إلى إلغاء رحلات من أيرلندا إلى إيطاليا، ومن ألمانيا إلى إسبانيا، فقط لأن سماء فرنسا مغلقة”.
ورغم مطالبة شركات الطيران بالسماح لها بالتحليق فوق فرنسا خلال الإضرابات كما تفعل دول مثل إيطاليا وإسبانيا، ترفض باريس السماح بذلك، وهو ما فاقم الأزمة.
صمت رسمي ومطالب بالتحرك الأوروبي
رغم الهجوم العنيف من شركات الطيران، لم تصدر المفوضية الأوروبية أي رد رسمي، لكن آنا كايسا إيتكونين، المتحدثة باسم مفوضية النقل، قالت إن “مراقبة الحركة الجوية مسؤولية الدول الأعضاء”، مضيفة أن “حق الإضراب مشروع”، لكن الأزمة تحتاج لمعالجة أوسع.
دعوات متزايدة من القطاع الجوي تطالب بإنشاء نظام أوروبي موحد لإدارة الحركة الجوية، يحدّ من قدرة أي دولة على تعطيل الملاحة على مستوى القارة بسبب إضرابات داخلية.
تصويت الثقة في الأفق
تأتي هذه الأزمة فيما تواجه فون دير لاين تصويتاً على الثقة في البرلمان الأوروبي الأسبوع المقبل، ما يزيد من تعقيدات موقفها السياسي. وفي ظل تصاعد الضغط من قطاع الطيران، تبدو القضية مرشحة لأن تتحول إلى أزمة أوروبية كاملة، ما لم تتحرك المفوضية بسرعة.
وبينما ينتظر المسافرون استقراراً في الأجواء، تبقى سماء أوروبا رهينة صراع داخلي فرنسي، وعجز سياسي أوروبي.