في واحدة من أكثر لحظات التهدئة درامية في الشرق الأوسط، توصلت الولايات المتحدة، بدعم من قطر، إلى وقف لإطلاق النار بين إسرائيل وإيران، أنهى مؤقتًا ما أصبح يعرف بـ”حرب الـ12 يومًا”. لكن رغم التوصل إلى الهدنة، لا تزال بوادر الهشاشة تطغى على هذا السلام المؤقت، وسط غياب واضح لاتفاق سياسي شامل، واستمرار التوترات العسكرية والسياسية.
ترامب يضغط… وقطر تتوسط
جاءت خطة وقف إطلاق النار مساء الإثنين بعد سلسلة محمومة من المكالمات الهاتفية قادها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي مارس ضغوطًا على إسرائيل لقبول التهدئة، فيما حثت قطر إيران على الانضمام إليها. وبعد قصف إيراني لقاعدة العديد الأميركية في قطر، سارع ترامب إلى التفاوض مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على اتفاق مبدئي لوقف إطلاق النار، قبل أن يتصل بأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني لإقناع طهران.
وتولت الدوحة نقل الرسائل إلى الإيرانيين، في وقت لم تعلن فيه تفاصيل الصفقة بعد. ومع أن البيت الأبيض لم يعلق رسميًا، إلا أن مسؤولين مطلعين قالوا إن وقف إطلاق النار تم التوصل إليه خلال ساعتين فقط.
ورغم أن إيران استهدفت قاعدة أمريكية في قطر، اختارت الدوحة تجاوز ذلك الهجوم والتركيز على الوساطة، في خطوة وصفها دبلوماسي إقليمي بأنها “أولوية للأمن الإقليمي على الرغم من الجراح المفتوحة”.
السلام يأتي تحت النيران
هدنة الاثنين، التي رحّب بها ترامب علنًا وامتدح فيها “شجاعة” إيران وإسرائيل، تعرّضت للاختبار بعد ساعات من إعلانها. ففي صباح الثلاثاء، قتلت ضربة إيرانية على مبنى سكني جنوب إسرائيل أربعة أشخاص، قبل ساعة من سريان الهدنة رسميًا، بينما سقط صاروخان آخران في الشمال في وقت لاحق.
وردّت إسرائيل باستهداف منشأة رادار قرب طهران، لكنها امتنعت عن تصعيد أوسع بعد تدخل من ترامب، الذي عبّر عن “عدم رضاه” عن إسرائيل وأكد أنه يريد تثبيت الهدنة.
وفي الوقت ذاته، واصلت واشنطن وطهران اتصالات غير مباشرة عبر قطر وسلطنة عمان، حيث نقلتا رسائل متبادلة خلال أيام التصعيد، تمهيدًا لوقف إطلاق النار. وأكد مسؤولون إسرائيليون أنهم كانوا يبحثون عن مخرج منذ أن نفذت الولايات المتحدة ضربات عسكرية على منشآت نووية إيرانية، ما عزز موقف إسرائيل ودفعها للقبول بالتهدئة.
الإنجاز الدبلوماسي والعسكري
أشاد مكتب نتنياهو بوقف إطلاق النار، معتبراً أن “أهداف العملية تحققت”، بينما اعتبرت إيران أنها “فرضت الهدنة على عدوها”، في إعلان ضمني عن النصر. وقال دبلوماسي مطّلع على المفاوضات إن وقف القتال لم يتضمن شروطًا سياسية كبيرة، لكنه يفتح المجال لمفاوضات لاحقة حول الملف النووي الإيراني، وهو جوهر الأزمة الحالية.
وبينما أعلن ترامب أن الضربات الأميركية “دمرت بالكامل” منشأتي فوردو ونطنز النوويتين، لا يزال حجم الضرر الحقيقي مجهولًا. كما لم يعرف بعد مصير 400 كيلوغرام من اليورانيوم عالي التخصيب كانت إيران تخزنها، ويُعتقد أنها نُقلت قبل الغارات.
عودة إلى المربع النووي
تُعد العودة إلى طاولة المفاوضات بشأن الملف النووي الإيراني التحدي الأكبر بعد وقف إطلاق النار. ورغم أن واشنطن تعوّل على ما تعتبره ضربة استراتيجية لبرنامج إيران النووي، إلا أن تصريحات رئيس هيئة الطاقة الذرية الإيرانية محمد إسلامي، الثلاثاء، تشير إلى أن إيران لن توقف أنشطتها النووية، في تصعيد لفظي يُنذر بتوترات قادمة.
وكانت هناك محاولة فاشلة للتوصل إلى هدنة في الأسبوع السابق عندما التقى وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي ورئيس الوزراء القطري في إسطنبول، لكنها تعطلت بسبب الغارات الأميركية. ولم تُستأنف المحادثات حتى مساء الاثنين، بعد أن بدا أن كل الأطراف باتت على استعداد للتهدئة.