فجر الجمعة، شنت إسرائيل هجومًا خاطفًا وعالي الدقة على أهداف حساسة داخل الأراضي الإيرانية، مستخدمة طائرات مسيّرة وذخائر موجهة تم زرعها مسبقًا في قلب طهران ومناطق محيطة بها.
هذا الهجوم الذي اعتُبر أحد أكثر عمليات الموساد تعقيدًا من حيث التنفيذ والتخفي، أعاد إلى الأذهان سيناريوهات مشابهة في غزة، حيث يُضرب العدو دون أن يمتلك غطاءً جويًا يحميه أو قدرة على الردع المباشر.
الضربات طالت منازل قادة كبار، من بينهم محمد باقري، رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية، إلى جانب ثلاثة جنرالات آخرين، كما أفادت التقارير باغتيال اثنين من العلماء البارزين في البرنامج النووي الإيراني.
مقاطع الفيديو المسربة من قلب العاصمة الإيرانية وثّقت الدقة المتناهية للضربات، التي اقتصرت أضرارها على طابق واحد من مبنى سكني دون المساس بالطوابق الأخرى.
بنية الهجوم
بحسب الصحفي الإسرائيلي أمِت سيغال، فإن الهجوم لم يكن مجرد عملية قصف جوي تقليدية، بل عملية استخباراتية وهندسية مركبة، تضمنت بناء قاعدة للطائرات المسيّرة داخل إيران نفسها، على مقربة من بطاريات الدفاع الجوي. هذه المسيّرات زُرعت على مركبات متنقلة جُهّزت مسبقًا بحيث تهاجم وتُعطل الدفاعات الجوية الإيرانية لحظة بدء الغارات.
ويُعتقد أن إسرائيل استخدمت أكثر من 200 طائرة مقاتلة نُفذت في موجات متتالية خلال ساعات الفجر، ما يشير إلى أن الضربات الجوية الإسرائيلية في أكتوبر الماضي قد دمرت جزءًا كبيرًا من الدفاعات الإيرانية، وأن عملية الجمعة كانت بمثابة “اللمسة الأخيرة”.
وبحلول يوم السبت، بدت إيران مكشوفة جوًّا أمام إسرائيل، في مشهد يوازي الوضع الذي تعيشه غزة منذ سنوات من الحصار والغارات.
التهديدات المقابلة
إيران، التي كانت تُراهن طيلة السنوات الماضية على ترسانة حزب الله في لبنان كقوة ردع، تجد نفسها الآن وقد جرى تحييد هذا العامل إلى حدّ بعيد بعد الضربات الإسرائيلية المتكررة على مخازن الحزب ومواقعه. إعلان الرئيس اللبناني جوزيف عون بقاء لبنان خارج دائرة التصعيد أعاد التأكيد على العزلة التي تعيشها طهران في محيطها المباشر.
لكن ذلك لا يعني أن إيران بلا أوراق. فبحسب مصادر في مكافحة الإرهاب الأميركية، فإن طهران تحتفظ بعلاقات قوية مع تنظيم القاعدة، وتحديدًا مع سيف العدل، الذي يُعد الزعيم الفعلي للتنظيم منذ اغتيال أيمن الظواهري عام 2023. هؤلاء المسؤولون يؤكدون أن سيف العدل تعاون في السابق مع أسامة بن لادن على برامج تتعلق بأسلحة الدمار الشامل.
الخطر الأكبر قد يأتي من اليمن، حيث يقود سعد بن عاطف العولقي فرع تنظيم القاعدة هناك. العولقي نشر مؤخرًا فيديو عنيفًا يهدد فيه شخصيات أميركية بارزة مثل دونالد ترمب، ونائبه جي دي فانس، ووزير الدفاع بيت هيغسيث، بل وحتى إيلون ماسك، معتبرًا أنهم أهداف مشروعة.
ودعا العولقي المسلمين في أوروبا وأميركا إلى تحويل حياة اليهود إلى جحيم، وهو تحريضٌ يعكس خطر التصعيد العابر للحدود إذا ما استمرت الهجمات على إيران.
إسرائيل أمام سؤال “اليوم التالي”
في خضم هذا النجاح التكتيكي الإسرائيلي الباهر، يطرح كاتب الرأي الأميركي ديفيد إغناتيوس سؤالًا جوهريًا: هل لدى إسرائيل خطة لليوم التالي؟
الهجوم بدا محكمًا من الناحية العسكرية، لكنه يفتقر إلى رؤية سياسية واضحة لما بعده. هل تهدف إسرائيل إلى تغيير النظام الإيراني أم مجرد تحييد البرنامج النووي لعدة سنوات؟ هل هو إجراء وقائي أم بداية لحرب مفتوحة؟
المقارنة مع حملات إسرائيل السابقة في غزة ولبنان وسوريا واليمن ليست بعيدة. ففي كل مرة تنفذ إسرائيل عمليات نوعية، تحقق فيها إصابات دقيقة، لكنها غالبًا ما تفشل في معالجة العوامل العميقة التي تغذي هذه التهديدات. بل إن بعض هذه العمليات تنتهي بإعادة إنتاج المخاطر بشكل أكبر بعد فترة قصيرة من الزمن.
التوازي مع إدارة ترمب
المعضلة لا تخص إسرائيل وحدها. الولايات المتحدة، تحت قيادة دونالد ترمب، تجد نفسها أمام نفس المأزق: هل تسعى واشنطن لإنهاء المواجهة التاريخية مع إيران الممتدة منذ ثورة 1979؟ أم أنها تتجه مجددًا إلى دوامة نزاعات لا تنتهي في الشرق الأوسط؟
ما أثبتته التجربة حتى الآن هو أن إشعال الحروب في المنطقة سهل وسريع، لكن إنهاءها معقّد وطويل وكلفته السياسية والإنسانية باهظة.
والهجوم الإسرائيلي الأخير على إيران قد يُسجل كنجاح استخباراتي وتكتيكي باهر، لكن السؤال الأخطر يبقى مفتوحًا: ماذا بعد؟ هل كان هذا الهجوم خطوة على طريق الانفجار الكبير، أم محاولة أخيرة لكسب الوقت وتأجيل الخطر؟ من دون رؤية استراتيجية لليوم التالي، فإن إسرائيل تخاطر بتحويل إيران إلى نسخة أوسع وأعقد من غزة: أرض بلا دفاعات، لكن مليئة بالثأر والنار.