تتجه واشنطن مجدداً نحو احتمال وقوع إغلاق حكومي — أول إغلاق خلال نحو سبع سنوات — إذا فشل الكونغرس في التوصل إلى اتفاق تمويل مؤقت قبل منتصف الليل.
وفي حال لم تُجاز مقترَحات تمويل جديدة أو قرار استمرار مؤقت (CR) يمرّ عبر مجلسَي الكونغرس، فستتوقف أجزاء واسعة من عمل الحكومة الفيدرالية عند الساعة 12:01 صباحاً بالتوقيت المحلي، ما يفرمل خدمات ويضع مئات الآلاف من الموظفين الفيدراليين في حالة إجازة قسرية أو عمل دون أجر.
لماذا نقترب من الإغلاق؟
الكونغرس مطالب سنوياً بتمرير قوانين الإنفاق بحلول الأول من أكتوبر، بداية السنة المالية، لتمويل الوزارات والوكالات. وعندما لا تُستكمل هذه القوانين، يلزم المشرّعون إقرار حلول مؤقتة تُمكّن الحكومة من الاستمرار.
هذه المرة يقف الخلاف على محتوى القرار المؤقت: يروّج الحزب الجمهوري لقرار استمرار “نظيف” يُبقي التمويل بالمستويات الحالية حتى 21 نوفمبر، بينما يطالب الديمقراطيون بربطه بتمديدات لبرامج معينة، أبرزها دعم التأمين الصحي المقرر انتهاؤه بنهاية السنة.
وقد دفع الجمود السياسي القادة إلى اجتماعات تفاوض أخيرة، لكن حتى لحظة إعداد هذا التقرير لم يُبلِغ المشرّعون عن اتفاق حاسم.
ماذا يتوقف وماذا يستمر؟
في حال الإغلاق، تتوقّف أنشطة الحكومة غير الحيوية؛ ما يعني إغلاق مكاتب عامة، تأجيل خدمات غير طارئة، وإخضاع آلاف الموظفين لإجازات إجبارية بدون أجر.
وكان آخر إغلاق طويل (ديسمبر 2018–يناير 2019) أرسل نحو 800 ألف موظف حكومي إلى المنزل دون أجر. في المقابل، تستمر الأعمال ذات الطابع الحيوي: القوات المسلحة العاملة وضباط إنفاذ القانون وموظفو الطوارئ سيستمرون في العمل غالباً، أحياناً من دون أجر فوري حتى انتهاء الإغلاق.
ومع ذلك، إدارة البيت الأبيض اقترحت هذا العام تفاوتاً في التعامل: بدلاً من الإجازات المؤقتة، دعت بعض الوكالات للنظر في فصل دائم للموظفين كجزء من إعادة تشكيل «حجم الحكومة»، ما يثير قلقاً من أن يكون الإغلاق ذريعة لإجراء تسريحات أوسع.
التأثير الاقتصادي المباشر وغير المباشر
الإغلاقات الحكومية لها كلفة حقيقية. تُشير تقديرات مكتب الميزانية بالكونغرس إلى أن أطول إغلاق سابق قلّص الناتج بمليارات الدولارات، ثم ترك أثرًا دائمًا في جزء من هذا الخسارة.
والإغلاق يبطئ نشر بيانات اقتصادية أساسية؛ فإغلاق مكاتب مثل مكتب إحصاءات العمل يؤخر صدور تقرير الوظائف الشهري — مؤشر حاسم لسياسات الاحتياطي الفيدرالي. غياب هذه الأرقام يضع صانعي السياسة والمستثمرين “في الظلام” ويزيد من حالة الترقب في الأسواق المالية.
كما أن تعطّل الخدمات الحكومية يضرّ الثقة الاستهلاكية ويؤثر على قطاعات تعتمد على عقود اتحادية — من الإنشاءات إلى الأبحاث العلمية — ما يفاقم التباطؤ الاقتصادي المحتمل. وفي حال استخدم الإغلاق كذريعة لتسريح موظفين، فإن تأثيره على سوق العمل قد يكون أعمق، خاصة في سوق عمل هش يربط تعافي الطلب والإنفاق بتوظيف مستقر.
ماذا يعني للمؤسسات والأسواق؟
المستثمرون عادةً يتجنّبون تحرّكات كبيرة بالقرب من الإغلاق لانتظار وضوح الأوضاع؛ لكن السوق تتفاعل سريعًا مع أي دلائل على طول الأمد أو تسريحات واسعة قد تؤثر في النمو.
ومن جهة أخرى، المؤسسات التي تعتمد على بيانات الحكومة تتعرض لتعطيل في التخطيط والميزانيات، بينما تتزايد مخاطر سلاسل الإمداد إذا استمرت خدمات وضمانات الائتمان في التباطؤ.
وثمة سيناريوهات عدة: اتفاق مفاجئ في اللحظة الأخيرة يمرر قرار استمرار مؤقت أو حزمة إنفاق كاملة، أو إغلاق قصير المدى يتبعه ضغط على الأطراف للعودة إلى تفاهم، أو إغلاق يمتد ويستخدم لتنفيذ تغييرات هيكلية في الحكومة (من حيث عدد الموظفين أو طبيعة الخدمات).
كل سيناريو له تكلفة اقتصادية واجتماعية وسياسية متفاوتة، والانتباه ينصبّ اليوم على قدرة القادة السياسيين على التوصل إلى حل يجنّب البلاد تعطيلاً واسعاً.
وعليه فإن الإغلاق الحكومي يتجاوز كونه تعطلاً إدارياً مؤقتاً؛ إنه اختبار لقدرة النظام السياسي على إدارة النزاعات حول الأولويات المالية، ويضع الاقتصاد أمام ضبابية معلوماتية ومالية قد تترك أثراً طويل المدى.
في أفضل الحالات، ينتهي الإغلاق بسرعة مع اتفاق مؤقت؛ في أسوأها، يتحوّل إلى فرصة لتغييرات هيكلية مُكلفة على موظفي الدولة والمواطنين والاقتصاد بأسره. ومهما يكن، الخسارة الأولى تكون دائماً للمواطنين الذين يعتمدون على خدمات الدولة واستقرارها.