رغم التحذيرات الأمنية المتزايدة بشأن المخاطر المحتملة لنقل التكنولوجيا المتقدمة إلى الخارج، حصلت شركة مايكروسوفت على موافقة رسمية من إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لتصدير رقاقات ذكاء اصطناعي متطورة إلى الإمارات العربية المتحدة، في خطوة من شأنها أن تفتح الباب أمام تعاون تكنولوجي واسع بين البلدين في مجال الحوسبة الفائقة وتدريب النماذج الذكية.
وقالت الشركة في تدوينة لها إن الإدارة الأمريكية أعطت الضوء الأخضر لشحن رقاقات من طراز A100 التي تنتجها شركة «إنفيديا»، ضمن اتفاق أوسع تم الإعلان عنه لأول مرة في مايو/أيار الماضي، يضم أيضًا شركتي OpenAI (صانعة ChatGPT) وOracle.
وتهدف الخطة إلى بناء مراكز بيانات ضخمة في الإمارات لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي وتطوير تطبيقات رقمية متقدمة، في وقت تسعى فيه دول الخليج إلى تنويع اقتصاداتها بعيداً عن الاعتماد على النفط، وجذب شركات التكنولوجيا العالمية.
استثمارات ضخمة وتنافس عالمي
أعلنت مايكروسوفت أنها ستستثمر ثمانية مليارات دولار إضافية خلال السنوات الأربع المقبلة في مشاريع الحوسبة السحابية والبنية التحتية للذكاء الاصطناعي في الإمارات.
ويأتي هذا الالتزام في إطار سباق عالمي محتدم بين عمالقة التكنولوجيا مثل أمازون وغوغل وإنفيديا ومايكروسوفت، حيث باتت القدرة على الوصول إلى الطاقة ورقاقات الحوسبة عاملاً حاسماً في التفوق التقني.
لكن رغم الطابع التجاري للصفقة، فإنها أثارت مخاوف أمنية في الأوساط السياسية والاستخباراتية في واشنطن، إذ يُنظر إلى الإمارات باعتبارها شريكًا وثيقًا للصين في بعض القطاعات التكنولوجية.
ويحذّر مسؤولون أمريكيون من احتمال تسرب التكنولوجيا المتقدمة أو استخدامها في تطبيقات تتعارض مع المصالح الأمريكية، خصوصاً أن الرقائق المصدّرة تُستخدم لتدريب أنظمة ذكاء اصطناعي قد تُوظّف في أغراض عسكرية أو استخباراتية.
رقاقات متقدمة ومخاطر التصدير
ووفقاً للصحيفة، فإن تراخيص التصدير الجديدة تسمح لشركة مايكروسوفت بشحن ما يعادل 60,400 رقاقة إضافية من طراز A100، إلى جانب وحدات معالجة رسومية أحدث من سلسلة GB300 من «إنفيديا».
وتُعد هذه الرقائق من بين الأكثر تقدماً في العالم، وتُستخدم لتدريب أنظمة الذكاء الاصطناعي العملاقة مثل ChatGPT وGemini وClaude.
وتأتي الموافقة بعد أشهر من المفاوضات التي عرقلها الجدل حول الشريك المحلي شركة “جي42” الإماراتية، التي تستثمر فيها مايكروسوفت منذ فبراير/شباط الماضي بنحو 1.5 مليار دولار.
وأشارت تقارير سابقة إلى أن بعض مسؤولي الإدارة الأمريكية أبدوا تحفظاً على إرسال الرقاقات مباشرة إلى “جي42” بسبب علاقاتها السابقة مع شركات صينية في مجال التكنولوجيا الحيوية والحوسبة السحابية، واقترحوا بدلاً من ذلك تسليمها إلى فروع مايكروسوفت الأمريكية العاملة داخل الإمارات لضمان رقابة أفضل.
اعتبارات سياسية واستراتيجية
ويبدو أن إدارة ترامب الجديدة قررت إعادة صياغة سياسة تصدير التكنولوجيا لتشجيع الاعتماد العالمي على التقنيات الأمريكية، بعد أن ألغت قواعد فرضتها إدارة بايدن كانت تحدّ من تصدير رقاقات الذكاء الاصطناعي إلى عدد من الدول.
واعتبر مسؤولون في البيت الأبيض أن هذه السياسة تمنح واشنطن “نفوذاً تكنولوجياً واستراتيجياً” في مواجهة الصين، مع تعزيز الشراكات مع الحلفاء الخليجيين.
وقال مسؤول أمريكي للصحيفة إن البيت الأبيض “يوازن بين الحاجة إلى حماية الأمن القومي والرغبة في الحفاظ على الريادة التكنولوجية العالمية”، مضيفاً أن الرقاقات ستخضع “لإجراءات رقابة أمنية مشددة”.
سباق الرقائق والشرق الأوسط
تسعى مايكروسوفت إلى توسيع وجودها في الشرق الأوسط بعد أن أصبحت المنطقة وجهة جاذبة لشركات التكنولوجيا التي تواجه نقص الطاقة والتراخيص في الولايات المتحدة وأوروبا.
فوفرة الطاقة الرخيصة وسرعة الموافقات الحكومية في دول الخليج جعلت من الإمارات والسعودية مركزين ناشئين للحوسبة الفائقة والذكاء الاصطناعي.
ومع ذلك، حذّر خبراء الأمن السيبراني من أن نقل البنية التحتية الحساسة إلى الخارج قد يحمل مخاطر استراتيجية طويلة الأمد، خاصة في ظل المنافسة التكنولوجية بين واشنطن وبكين.
وفي الوقت الذي ارتفعت فيه أسهم «إنفيديا» بنسبة 2.4% في تعاملات ما قبل الافتتاح، تراجعت أسهم مايكروسوفت بشكل طفيف، فيما يترقب المستثمرون أثر هذه الخطوة على العلاقات التكنولوجية بين واشنطن وأبوظبي وعلى مستقبل سباق الذكاء الاصطناعي العالمي.