صعّد مسؤول بريطاني رفيع لهجته حيال الصين محذرًا من «عمليات تجسس واسعة النطاق» تستهدف المملكة المتحدة، وذلك في وثائق كُشف عنها إثر انهيار قضية تجسس بارزة أثارت سجالًا سياسيًا محتدمًا في وستمنستر.
وفي المقابل، شدّد المسؤول نفسه على تمسّك الحكومة بخط «التعاون حيث أمكن» مع بكين، في محاولة لتهدئة الانتقادات حول نهج لندن المتأرجح بين الردع والانخراط.
وقال ماثيو كولينز، نائب مستشار الأمن القومي البريطاني، في إفادات مكتوبة قُدمت إلى الادعاء ونُشرت مساء الأربعاء، إن أجهزة الاستخبارات الصينية «تتمتع بقدرات عالية، وتنفذ عمليات تجسس واسعة النطاق ضد المملكة المتحدة لتعزيز مصالح الدولة الصينية والإضرار بمصالحها وأمنها».
وأضاف أن تلك العمليات «تهدد ازدهار الاقتصاد البريطاني وقدرته على الصمود، وسلامة مؤسساتنا الديمقراطية».
وأشارت الإفادة صراحة إلى أن «المعلومات والمواد» التي يُزعم نقلها في القضية التي شغلت الرأي العام كان من شأنها أن تكون «بشكل مباشر أو غير مباشر» مفيدة للدولة الصينية، و«ضارة بسلامة أو مصالح المملكة المتحدة».
ويأتي ذلك ضمن ثلاث مذكرات شاهد قدّمها كولينز إلى هيئة الادعاء الملكية بين ديسمبر/كانون الأول 2023 وأغسطس/آب 2025، ونشرتها الحكومة على نحو غير معتاد لاحتواء الجدل بعد انهيار القضية.
والقضية المعنية طالت كريستوفر كاش (30 عامًا)، باحثًا سابقًا لدى نائب محافظ، وكريستوفر بيري (33 عامًا)، وهو مدرس. وقد نفى الرجلان اتهاماتٍ بنقل معلومات حساسة إلى عميل استخبارات صيني مزعوم خلال 2021–2023. وفي سبتمبر/أيلول الماضي، أسقطت هيئة الادعاء التهم بشكل مفاجئ، ما فجّر اتهامات متبادلة:
قال مدير الادعاء العام إن القضية انهارت لغياب أدلة تثبت أن الصين تشكّل تهديدًا محدّدًا على الأمن القومي في إطار الملف المعروض.
فيما حمّل حزب المحافظين—الذي كان في السلطة حين وُجّهت التهم في أبريل/نيسان 2024—حكومة حزب العمال الحالية مسؤولية «التراخي في مواجهة بكين».
إزاء هذا الضغط، سعت الحكومة إلى تعضيد سردية المخاطر عبر نشر إفادات كولينز، لكنها في الوقت ذاته لم تتراجع عن مقاربة مزدوجة المسار تجاه الصين.
خط ثلاثي: تعاون وتنافس وتحدي
رغم التحذيرات القاطعة، أكد كولينز في أحدث بيان أن المملكة المتحدة «ملتزمة بمواصلة علاقة إيجابية مع الصين لتعزيز الفهم والتعاون والاستقرار»، موضحًا أن سياسة لندن تقوم على ثلاثية: التعاون حيثما أمكن، والتنافس حيثما لزم، والتحدي حيثما وجب—لا سيما في قضايا الأمن القومي.
وتعكس هذه المعادلة محاولة الحفاظ على قنوات التجارة والاستثمار والبحث العلمي، بالتوازي مع تشديد الحماية في ملفات حساسة كالتقنيات المتقدمة والبنى التحتية والجامعات.
والتحذير من «تهديد الازدهار الاقتصادي» يسلّط الضوء على أمن سلاسل التوريد، وحماية الملكية الفكرية، ومخاطر الاختراق الرقمي والهندسة الاجتماعية التي تستهدف شركات وجامعات وهيئات حكومية.
ويحاجج خبراء الأمن الاقتصادي بأن المملكة المتحدة—على غرار شركاء غربيين آخرين—تتجه إلى توسيع أدوات الفحص والتدقيق في الاستثمارات والتعاقدات والبحث التعاوني، مع وضع قواعد أوضح لإدارة المخاطر دون إغلاق الباب أمام التعاون المشروع.
معارضة تنتقد، وحكومة توازن
سياسيًا، تسعى المعارضة المحافظة إلى تصوير قرار إسقاط التهم باعتباره دليل ضعف مؤسسي في إنفاذ قوانين الأمن القومي، وتتهم حكومة العمال بـ«التخفيف» مع بكين.
وتمثل ردّ الحكومة في نشر الأدلة لتأكيد تقديرها الاستراتيجي للخطر، مع التمسك بعدم تسييس عمل الادعاء والقضاء. هذا التوازن الدقيق يهدف إلى طمأنة الداخل والشركاء الدوليين بأن لندن لا تنكر التهديد، لكنها أيضًا لا تقطع الجسور مع ثاني أكبر اقتصاد عالمي.
ويبقى السؤال: هل تكفي الإفادات المنشورة لاستعادة الثقة الجماهيرية بعد انهيار قضية بارزة، ولردع محاولات التجسس التي حذّر منها كولينز؟.
الخطوات المقبلة ستشمل—على الأرجح—تحديث أدوات الملاحقة وتبادل المعلومات مع الحلفاء، وتعزيز ضوابط الحماية في الجامعات والشركات، إلى جانب تسريع آليات فحص الاستثمارات الأجنبية.
ومع ذلك، ستواصل لندن السعي إلى «العلاقة الإيجابية» حين تكون المصالح متقاطعة—في المناخ والاستثمار والتجارة—ضمن إطارٍ أكثر تشددًا تجاه حماية الأمن الاقتصادي والديمقراطي.