سجّل تهريب البشر عبر القناة الإنجليزية نمطاً جديداً أكثر خطورة مع تضخّم أحجام القوارب وارتفاع أعداد الركّاب على متن كل رحلة إلى مستويات قياسية.
وأظهر تحليل أنّ متوسط عدد المهاجرين في بعض الأيام بلغ 80 شخصاً لكل قارب، فيما سُجّل رقم قياسي عند 125 راكباً على متن قارب واحد السبت الماضي، متجاوزاً أرقام أغسطس/آب (106 أشخاص) وسقف أكتوبر/تشرين الأول 2024 (98 شخصاً).
ووقف القوارب بات أولوية لحكومة كير ستارمر التي تعهّدت “بسحق العصابات” المتمركزة في شمال فرنسا. وتشمل حزمة الإجراءات:
اتفاق مع العراق يتيح لعناصر إنفاذ القانون البريطانيين العمل في كردستان، إحدى بؤر نشاط شبكات التهريب.
تأسيس قيادة لقوة الحدود تتعامل مع التهريب بمنهجية قريبة من مكافحة الإرهاب.
استهداف سلاسل الإمداد عبر ملاحقة توريد القوارب والمحركات القادمة من تركيا.
سياسياً، يتعرّض حزب العمال لضغط انتخابي من حزب الإصلاح بزعامة نايجل فاراج، الذي يوظّف ملف القوارب الصغيرة ويتعهّد بترحيل 600 ألف مهاجر غير نظامي إذا وصل إلى السلطة.
وردّ ستارمر خلال مؤتمر حزبه بإطلاق تسمية “قوارب فاراج” متهماً البريكست—الذي قاده فاراج—بالتسبّب في تفاقم الأزمة.
قفزة في متوسطات الحمولة اليومية
يُظهر التحليل أنّ متوسط القادمين يومياً بالقارب تجاوز 80 شخصاً في أربع مناسبات منذ منتصف أغسطس/آب، مع ذروة عند 85 في 20 سبتمبر/أيلول.
كما شهد عام 2025 16 يوماً فاق فيها المتوسط 70 شخصاً، مقارنة بثلاثة أيام فقط في 2024.
العوامل الجوية وانتشار الشرطة الفرنسية على السواحل يسبّبان تذبذباً كبيراً في أعداد المحاولات اليومية.
حتى الآن، عبر 33,566 مهاجراً القناة هذا العام، مع توقّعات بالوصول إلى مستوى 45,755 المسجّل في 2022. اللافت أنّ حصيلة 2022 جاءت عبر 1,110 عبوراً، فيما سُجّلت 559 عملية فقط حتى الآن في 2025—ما يعكس زيادة حمولة القارب الواحد.
من قوارب التجديف إلى قوارب أكبر
يُنسب التحوّل إلى نقص القوارب نتيجة حملات أوروبية وبريطانية على سلاسل التوريد—من مصادرة المخزون في ألمانيا إلى التشديد على شحنات تركيا (المصنّعة غالباً بقطع صينية). هذا النقص دفع العصابات لاستغلال الرحلة الواحدة إلى الحدّ الأقصى عبر القوارب الأكبر أو تحميل القوارب الصغيرة فوق طاقتها.
تقول جوليا دي أميكو، الباحثة في المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية (GI-TOC)، إن تراجع المعروض من القوارب ترافق مع بروز شبكة “الأيادي الصغيرة”: مجنِّدون من جنسيات وجماعات مختلفة يعملون لحساب العصابات الكردية المهيمنة، يستغلّون مهاراتهم اللغوية لتعبئة القوارب مقابل مرورٍ مجاني لاحقاً وأجور مباشرة (1,000–1,500 يورو لكل قارب).
وتشرح دي أميكو أنّ هؤلاء يضيفون مسافرين في اللحظة الأخيرة من خارج قوائم المنظمين، ما يرفع الحمولة من 50 إلى 70 مثلاً، من دون علم المُهرّبين الكبار—وأحياناً بدفع نقدي من الأشدّ فقراً.
اقتصاد تهريب “صناعي” وتسعير متقلب
تصف دي أميكو المشهد بأنه “مؤسسة صناعية”: توسّعت الشبكات من 8–12 فرداً إلى عشرات، مع نموذج تسعير يتكيّف مع مخاطر الإنفاذ وندرة الإمدادات.
الأسعار القياسية للعبور تصل إلى 7,000 يورو، بينما تُعرض “حزم منخفضة التكلفة” للفئات الأفقر (سودانيون، إريتريون) عند 900–1,100 يورو، ما يدفع المنظّمين لزيادة الركّاب لتعويض الهوامش.
هناك أيضاً “الزِجْزاج”: سماسرة يتقاضون 100–400 يورو لإيصال المهاجرين إلى نقطة الإقلاع، حيث يحاول بعضهم الصعود بالقوة—وأحياناً بتهديد إتلاف القارب—إن مُنعوا، بحسب GI-TOC.
أصوات ميدانية: ضغط يعلو على السواحل
يؤكد منسّق في منظمة Utopia 56 العاملة شمال فرنسا أنّ متوسط الركاب لكل قارب ارتفع: “في سبتمبر/أيلول كثيراً ما رأينا 70 شخصاً على القارب الواحد، مقارنة بنحو 55 مطلع العام”.
ويضيف عامل في جمعية تشرف على مخيم “الغابة” أنّ الدفع للوصول إلى نقاط الإقلاع يخلق فوضى اللحظات الأخيرة واندفاعاً جماعياً للصعود: “الناس يحاولون العبور بأي طريقة للخلاص من ظروف المعيشة هنا”.
ويُظهر مسار 2025 أنّ تجفيف الإمدادات لم يوقف العبور بل بدّل سلوك العصابات: قوارب أكبر، تكديس أشدّ، وشبكات توظيف مرنة تزيد الأعداد في اللحظة الأخيرة.
ومع ازدياد المخاطر على الأرواح، يواجه صانع القرار البريطاني معضلةً مركّبة: تجريم المنظومة الصناعية العابرة للحدود مع توسيع المسارات القانونية والآمنة لتقليص الطلب على خدمات المهرّبين—وإلا سيبقى المتوسط 80 راكباً عنواناً لموسم أشدّ خطورة على القناة.