أفصحت شركة فايننشال تايمز البريطانية عن قيام صندوق الاستثمارات العامة السعودي بخفض حيازاته من الأسهم الأمريكية بنحو خمسها خلال الربع الثالث من العام، في خطوة تأتي قبل زيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان المرتقبة إلى البيت الأبيض.
وتستعد السعودية لتعزيز علاقاتها مع الإدارة الأمريكية من خلال سلسلة اتفاقيات في مجالات الدفاع والتجارة، في زيارة هي الأولى للأمير محمد إلى واشنطن منذ عام 2018.
وأظهرت الإفصاحات الأخيرة أن الصندوق، الذي تقترب أصوله من تريليوني ريال (ما يعادل نحو تريليون دولار)، أنهى حيازاته في تسع شركات أمريكية، بينها فيزا وبنتريست، ما يمثل انخفاضًا بنسبة 18 في المئة مقارنة بالربع الثاني من العام.
وفي المقابل، حافظ الصندوق على استثمارات بقيمة 19.4 مليار دولار في ست مجموعات أمريكية، من بينها Uber وElectronic Arts وTake-Two Interactive، وفقًا لما نشرته هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية.
وتأتي هذه التحركات في سياق سلسلة من التخارجات التي بدأها الصندوق منذ بداية العام من شركات أمريكية أخرى، مثل ميتا وبيبال وفيديكس، مع توجّه متزايد نحو توجيه الاستثمارات إلى مشاريع محلية في المملكة، خاصة تلك التي تتطلب رأس مال ضخم، استعدادًا لاستضافة فعاليات عالمية مستقبلية، من بينها إكسبو 2030 وكأس العالم 2034.
ويُعد صندوق الاستثمارات العامة الأداة الرئيسية لبرنامج الإصلاح الطموح الذي يقوده الأمير محمد بن سلمان، والذي يهدف إلى تنويع الاقتصاد السعودي بعيدًا عن الاعتماد على النفط.
وتشمل الخطة مجموعة من المشاريع العملاقة، مثل منتجعات البحر الأحمر والمنطقة المستقبلية نيوم في شمال غرب المملكة، والتي تتطلب استثمارات كبيرة ضمن محفظة الصندوق.
ويعكس هذا التخارج جزئيًا تأثير انخفاض أسعار النفط في السنوات الأخيرة، الذي فرض ضغوطًا على ميزانية الحكومة وزاد من أهمية توجيه موارد الصندوق نحو مشروعات داخلية حيوية لتعزيز الاقتصاد الوطني.
وقد أشار محافظ الصندوق، ياسر الرميان، في تصريحات العام الماضي، إلى أن الصندوق يخطط لخفض نسبة استثماراته الخارجية إلى ما بين 18 و20 في المئة، انخفاضًا من ذروة بلغت 30 في المئة في عام 2020، مع التأكيد على أن القيمة المطلقة للاستثمارات الأجنبية ستستمر في النمو، ضمن خطة رفع أصول الصندوق المُدارة إلى تريليوني دولار بحلول عام 2030.
وتشير التحليلات إلى أن هذه الخطوة تهدف إلى تحقيق توازن بين التركيز على الاقتصاد المحلي والمشاركة في الأسواق العالمية، بما يضمن للصندوق قدرة أكبر على تمويل المشاريع الاستراتيجية الكبرى دون الاعتماد المفرط على تقلبات الأسواق الخارجية.
ويُتوقع أن يكشف الصندوق عن استراتيجيته الاستثمارية للفترة 2026-2030 مطلع العام المقبل، لتحديد أولويات جديدة في التوسع داخليًا وخارجيًا.
وتأتي عمليات البيع هذه قبل زيارة ولي العهد للبيت الأبيض يوم الثلاثاء، حيث يُتوقع أن يلتقي الأمير محمد بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في إطار تعزيز العلاقات الثنائية، وبحث فرص التعاون في مجالات الدفاع والطاقة والاستثمارات.
وبحسب مراقبين تعكس الإفصاحات الأخيرة قدرة الصندوق على إدارة محافظه المالية بحذر، مع الحفاظ على أهداف برنامج الإصلاح الاقتصادي الوطني، الذي يسعى إلى دمج المشاريع العملاقة، ودعم التنويع الاقتصادي، وتأمين الاستثمارات اللازمة لمواجهة التحديات المستقبلية.
وفي الوقت نفسه، يوضح التحرك الأخير مرونة الصندوق في إعادة توجيه استثماراته بما يتماشى مع أولويات المملكة الاستراتيجية وأهدافها التنموية الطموحة.
وبالتالي، فإن تخفيض الصندوق لحصصه في الشركات الأمريكية لا يعني تخليًا عن الأسواق العالمية، بل إعادة ترتيب أولوياته المالية لضمان دعم المشاريع الداخلية، وتحقيق نمو مستدام للاقتصاد السعودي، بما يتوافق مع رؤية المملكة 2030 ورغبة الأمير محمد في بناء اقتصاد متنوع ومستقل عن النفط، مع المحافظة على مكانة الصندوق كأداة حيوية للاستثمار على المستوى الدولي.