تتواصل المشاورات بين الأحزاب والقوى السياسية في العراق لتشكيل حكومة جديدة واختيار رئيس وزراء للمرحلة المقبلة، في وقت يشهد فيه منصب رئاسة الوزراء تنافسًا محتدمًا داخل البيت السياسي الشيعي.
ورغم سعي رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني للحصول على ولاية ثانية، يؤكد خبراء ومسؤولون أن فرصه “ضئيلة”.
فعلى الرغم من فوز ائتلافه الانتخابي “الإعمار والتنمية” بالمركز الأول بحصوله على 46 مقعدًا من أصل 329، فإن هذا الرقم لا يكفي لضمان القرار في نظام انتخابي صُمم لمنع احتكار السلطة من قبل جهة واحدة. ورغم أن هذا النظام يحدّ من قوة الكتل الكبرى، فإنه يجعل تشكيل الحكومة مسارًا طويلاً ومعقدًا.
أرقام لا تكفي
يقول الباحث المتخصص في الشأن العراقي مايكل نايتس إن السوداني “يمتلك عددًا قليلاً جدًا من المقاعد وكثيرًا جدًا في الوقت نفسه”، مشيرًا إلى أن المطالبة برئاسة الوزراء منفردًا تحتاج إلى كتلة من 60 إلى 70 مقعدًا على الأقل.
ويضيف أن امتلاك السوداني كتلة كبيرة نسبيًا قد يدفع القوى الشيعية الأخرى للسعي لإيجاد رئيس وزراء “يمكن التحكم به بدرجة أكبر”.
وأفرزت الانتخابات الأخيرة صعودًا واضحًا لكتل شيعية منافسة داخل “الإطار التنسيقي”، بينها دولة القانون بقيادة نوري المالكي (29 مقعدًا)، وكتلة “صادقون” التابعة لقيس الخزعلي (27 مقعدًا). هذا التقدم زاد من صعوبة حصول السوداني على دعم كامل داخل الإطار الذي رشحه في 2022.
توجس من ولاية ثانية
ترى غالبية القوى السياسية الشيعية أن السماح لأي رئيس وزراء بولاية ثانية قد يهدد التوازن داخل منظومة الحكم. وقد تركت تجربة ولاية المالكي الثانية حساسية شديدة تجاه منح السلطة التنفيذية فرصة لتكوين “دولة عميقة” يمكن أن تطغى على نفوذ الكتل.
ويؤكد سياسي شيعي للصحيفة أن السوداني “لم يعد يحظى بنفس الدعم” داخل الإطار، وأن مسار بقائه في المنصب “وعر”. وتتنافس عدة أسماء على المنصب ضمن القائمة المختصرة للإطار، أبرزها: باسم البدري، أسعد العيداني، وحميد الشاطري.
ورغم انضمام السوداني من جديد إلى “الإطار التنسيقي”، ما يمنح الائتلاف أغلبية تقارب 175 مقعدًا، فإن ذلك لا يضمن اختياره رئيسًا للوزراء.
ميل إلى واشنطن يقلق الحلفاء
يرى مراقبون أن أداء السوداني في ولايته الأولى شابه توازن حساس بين واشنطن وطهران، لكن بعض الفصائل الشيعية تعتبر أن ميله “النسبي” نحو الولايات المتحدة مثّل نقطة توتر. ويقول سياسي مرتبط بفصيل مسلح إن السوداني قدّم تنازلات “قد تُضعف مصالح الحلفاء الذين دعموه”.
وتشير الباحثة إينا رودولف إلى أن السوداني سعى خلال ولايته إلى سياسة خارجية أكثر استقلالية، محاولاً تقديم نفسه كـ”صمام أمان” إقليمي في ظل حرب غزة والتوتر بين إيران والولايات المتحدة.
وتضيف أن شعبيته النسبية التي ازدادت في الانتخابات البلدية أثارت مخاوف بعض القادة التقليديين، الذين لا يرغبون في ظهور منافس قوي داخل البيت الشيعي.
مفاوضات سنية وكردية حاسمة
نجاح أي مرشح لرئاسة الوزراء لا يعتمد على دعم القوى الشيعية فحسب، بل يحتاج أيضًا إلى توافق الكتل السنية والكردية. وحصل محمد الحلبوسي، أبرز قيادات السنة، على أكثر من 71 ألف صوت، ما يجعله لاعبًا مهمًا في تشكيل الحكومة.
ويشير مستشار حزب “التقدم”، جادر الجابري، إلى أن “فرص السوداني لا تزال ضئيلة” مع وجود حملة قوية يقودها المالكي. ويؤكد أن نحو عشرة مرشحين يتنافسون داخل الإطار التنسيقي، وأن “لا شيء محسوم حتى الآن”.
أما في الجانب الكردي، فقد حصل الحزب الديمقراطي الكردستاني على 27 مقعدًا، ويؤكد مسؤول فيه أن الحزب “لا يعارض أي مرشح”، لكنه يشترط التزامًا صارمًا بتطبيق الدستور “من الألف إلى الياء”.
مشهد ضبابي ومستقبل غير مضمون
مع ارتفاع عدد الفائزين من الشخصيات البارزة في الساحة السياسية، تبحث بعض الأطراف إعادة تفعيل مناصب نواب الرئيس، رغم إلغائها عام 2015 لأسباب مالية. ويعتقد مصدر شيعي أن إعادة هذه المناصب إلى الواجهة جزء من ترتيبات أوسع لإعادة توزيع النفوذ.
ورغم كل التعقيدات، يرى بعض الخبراء أن السوداني يبقى “خيارًا صحيًا نسبيًا”، خصوصًا لمن يريدون إبقاء العراق بعيدًا عن التصعيد الإقليمي مع إسرائيل والحفاظ على علاقات متوازنة مع واشنطن وطهران.
لكنّ الواقع السياسي العراقي، المليء بتجاذبات المصالح وتوازنات القوى، يجعل بقاءه في المنصب مهمة شبه مستحيلة — على الأقل في المدى القريب.