في قرية الثمامة قرب الرياض، يلاحظ أحد التجار إبلَه في سوق الماشية، بينما يثير انتشار الأمراض الحيوانية بين الثدييات المخاوف الصحية العالمية، لاسيما أن فيروس كورونا المسبب لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية (ميرس) يُعتقد أنه ينشأ من الإبل. هذه المخاوف تأتي في ظل ارتفاع مقلق في حالات تفشي الأمراض الحيوانية المعدية، التي بدأت تتجاوز حواجز الأنواع لتصل إلى الإنسان، وسط تحذيرات من خبراء الصحة والبيئة.
ارتفاع حاد في تفشي إنفلونزا الطيور بين الثدييات
كشف تقرير حديث صادر عن المنظمة العالمية لصحة الحيوان (WOAH) عن زيادة كبيرة في حالات تفشي إنفلونزا الطيور بين الثدييات، حيث تضاعفت الحالات من 459 حالة في 2023 إلى أكثر من 1022 حالة في 55 دولة خلال عام واحد فقط. يأتي هذا الارتفاع في سياق تفشي أمراض حيوانية أخرى، ما يرفع من خطر انتقال العدوى للبشر.
التقرير ربط بين هذا الارتفاع عوامل عدة، من بينها تغير المناخ الذي يؤثر على مواطن الحيوانات البرية ويعزز انتقال الأمراض، وتوسع تجارة الحيوانات التي تتيح تفاعلًا أكبر بين الأنواع، إضافة إلى انخفاض معدلات تطعيم الماشية بنسبة خمسة في المائة بين عامي 2020 و2022، مما أضعف مناعة القطعان وزاد تعرضها للأمراض.
إيمانويل سوبيران، المديرة العامة للمنظمة العالمية للأحياء البرية، حذرت من أن “انتشار الأمراض الحيوانية المعدية وتغير أنماط انتشارها يشكل تحديات جديدة للزراعة والأمن الغذائي والصحة البشرية والتنمية البيئية.” وأكدت أن “التعاون الدولي وتعزيز الوصول العادل إلى اللقاحات الفعالة والتدابير الوقائية يمثلان الأساس لمواجهة هذه التحديات.”
استمرار تفشي متلازمة الشرق الأوسط التنفسية (ميرس) بالمملكة
في هذا السياق، أعلنت منظمة الصحة العالمية عن تسع حالات إصابة جديدة بفيروس كورونا المسبب لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية (ميرس) في السعودية خلال الفترة من 1 مارس وحتى 25 أبريل 2025، من بينها حالتان وفاة. المرض الذي يسبب أعراضًا تنفسية شبيهة بالإنفلونزا يُعتقد أنه ينتقل من الإبل إلى الإنسان، لكنه أثار قلقًا بسبب أن ثمانية من المصابين لم يكن لهم تاريخ معروف بالاتصال المباشر مع الإبل أو منتجاتها.
منذ اكتشاف أول حالة في المملكة عام 2012، بلغ عدد الحالات المؤكدة مختبريًا 2627 حالة، مع تسجيل 946 وفاة، أغلبها في السعودية التي سجّلت 84% من الحالات، منها أحدث الإصابات في الرياض وحائل. ولم تُسجل حالات إصابة بشرية بالفيروس خارج المنطقة حتى الآن.
إنفلونزا الطيور: تهديد بيئي واقتصادي وإنساني
على مدى عقدين، تم إعدام أكثر من 630 مليون طائر في محاولات للحد من تفشي إنفلونزا الطيور شديدة الإمراضية. رغم أن خطر انتقال المرض للبشر ما يزال منخفضًا، إلا أن ارتفاع أعداد الثدييات المصابة بالفيروس، من أبقار وكلاب وقطط، يشكل عامل قلق إضافي، إذ يزيد من فرص انتقال العدوى إلى البشر.
التقرير أشار إلى أن إنفلونزا الطيور ليست الوحيدة التي توسعت إلى مناطق جديدة، بل هناك أمراض أخرى مثل طاعون المجترات الصغيرة (PPR) الذي ظهر في أوروبا رغم كونه مرضًا تقليديًا يصيب الأغنام والماعز في البلدان النامية، بالإضافة إلى حمى الخنازير الأفريقية التي انتشرت لمسافات كبيرة في مزارع الخنازير بسريلانكا.
مقاومة مضادات الميكروبات تهدد الأمن الغذائي العالمي
شكلت مقاومة مضادات الميكروبات، الناتجة عن الاستخدام المفرط وغير المنضبط للمضادات الحيوية في تربية الحيوانات، تهديدًا متناميًا لصحة الإنسان والحيوان على حد سواء. وأوضح خافيير يوغيروس-ماركوس، رئيس قسم مقاومة مضادات الميكروبات في المنظمة العالمية للطب البيطري، أن أوروبا سجلت أكبر انخفاض في استخدام المضادات الحيوية بين عامي 2020 و2022، لكنها ما تزال تواجه تحديات كبيرة.
وحذر من أن مقاومة المضادات الحيوية قد تؤدي إلى ظهور جراثيم لا تستجيب للأدوية المتاحة، ما سيؤثر بشكل مباشر على الأمن الغذائي لأكثر من ملياري شخص بحلول عام 2050.
دعوات لتعزيز التدابير الوقائية والتعاون الدولي
يرى خبراء الصحة الحيوانية أن الحل الأمثل يكمن في تعزيز الإجراءات الوقائية، والاعتماد على التطعيمات كجزء رئيسي من استراتيجية الحد من انتشار الأمراض. كما شدد التقرير على ضرورة تعزيز التعاون الدولي لضمان توزيع لقاحات آمنة وفعالة على نطاق واسع، خصوصًا في المناطق التي تعاني من نقص في الموارد.
ومع تزايد التحديات الصحية والبيئية، تبرز أهمية رؤية شمولية تربط بين صحة الإنسان والحيوان والبيئة، في إطار ما يعرف بنهج “الصحة الواحدة” الذي يعزز استدامة نظم الصحة والزراعة والبيئة على حد سواء.
ويؤكد تقرير المنظمة العالمية لصحة الحيوان على أن الأمراض الحيوانية المعدية تتصاعد بشكل مقلق، متجاوزة الحواجز بين الأنواع ومهددة الأمن الصحي العالمي. ومع تفشي متلازمة الشرق الأوسط التنفسية وإنفلونزا الطيور وأمراض أخرى، تتضافر جهود الخبراء والمجتمع الدولي للتصدي لهذه الأوبئة عبر تعزيز التطعيمات، مراقبة التجارة الحيوانية، والتصدي لمقاومة مضادات الميكروبات، ضمانًا لصحة أفضل ومستقبل أكثر أمانًا.