كشف تقرير لوكالة بلومبيرغ عن تعاون بين جهاز قطر للاستثمار (QIA)، أحد أكبر صناديق الثروة السيادية في العالم، وشركة أوريكس كورب اليابانية لإطلاق صندوق استثمار مباشر بقيمة 2.5 مليار دولار، يهدف إلى اقتناص فرص النمو في الشركات اليابانية.
وقالت مصادر مطلعة على الصفقة إن الصندوق الجديد يمثل أول استثمار مباشر لجهاز قطر للاستثمار يتركز بالكامل على السوق اليابانية.
وأشارت المصادر إلى أن الشراكة تأتي في وقت تشهد فيه اليابان نشاطًا متزايدًا في صفقات الاستحواذ وإعادة الهيكلة، نتيجة الإصلاحات الاقتصادية والحوكمة التي تدفع الشركات لإعادة ترتيب محافظها الاستثمارية.
وبحسب المعلومات التي نقلتها بلومبيرغ، ستساهم شركة أوريكس بنسبة 60% من رأس المال، فيما يضخ جهاز قطر للاستثمار النسبة المتبقية. وسيتولى إدارة الصندوق كيان مشترك جديد تحت اسم OQCI GP Ltd.، يكون مسؤولًا عن اتخاذ قرارات الاستثمار والإشراف على العمليات.
التركيز على الشركات المتوسطة
سيركز الصندوق الجديد على الاستثمار في الشركات اليابانية التي تبلغ قيمتها السوقية 30 مليار ين ياباني على الأقل (ما يعادل نحو 195 مليون دولار)، وهي فئة تمثل العمود الفقري للاقتصاد الياباني لكنها تواجه تحديات متزايدة في الاستدامة والتوسع.
وسيسعى الصندوق إلى الاستحواذ على الشركات التي تواجه مشكلات في تعاقب القيادة بسبب تقدم أعمار مؤسسيها أو غياب الورثة الإداريين، وهي ظاهرة شائعة في اليابان.
كما سيبحث عن فرص تحويل بعض الشركات المدرجة إلى شركات خاصة بهدف تحسين كفاءتها الإدارية، إلى جانب شراء أصول غير أساسية تطرحها الشركات الكبرى ضمن خطط إعادة الهيكلة.
ويرى محللون أن هذه الاستراتيجية تتماشى مع التحولات الاقتصادية التي تشهدها اليابان، حيث تدفع سياسات الحكومة وإصلاحات الحوكمة المؤسسية باتجاه زيادة الشفافية وتحسين أداء الشركات، ما يفتح الباب أمام المستثمرين الدوليين للدخول في صفقات مغرية بأسعار عادلة.
دخول قطري متصاعد في آسيا المتقدمة
يمثل هذا الاستثمار خطوة إضافية في سياسة جهاز قطر للاستثمار لتنويع محفظته العالمية بعيدًا عن الأسواق التقليدية في أوروبا والولايات المتحدة. وكان الصندوق السيادي القطري قد استثمر في السنوات الأخيرة في القطاع المالي والعقاري في سنغافورة وهونغ كونغ، إلى جانب شراكات في شركات تكنولوجية آسيوية كبرى.
ويُقدر إجمالي أصول جهاز قطر للاستثمار بأكثر من 500 مليار دولار، وهو من أكثر الصناديق نشاطًا في مجال الشراكات الاستراتيجية طويلة الأجل.
وتأتي هذه الخطوة في إطار سعي الدوحة إلى تعزيز حضورها الاقتصادي في اليابان، أحد أهم شركائها في مجال الطاقة، إذ تُعد قطر أحد أكبر مورّدي الغاز الطبيعي المسال إلى السوق اليابانية.
أما شركة أوريكس كورب، التي تتخذ من طوكيو مقرًا لها وتعمل في مجالات التمويل والتأجير والخدمات المصرفية والعقارات، فترى في الشراكة مع جهاز قطر للاستثمار فرصة لتعظيم العائد على رأس المال وتوسيع قدراتها التمويلية دون الاعتماد الكامل على ميزانيتها الخاصة.
وأكدت المصادر أن هذه الشراكة تمنح أوريكس مرونة أكبر في اقتناص الصفقات الكبرى، مع الاستفادة من القدرات المالية والخبرة الاستثمارية القطرية في الأسواق العالمية، في حين يمنح الصندوق السيادي القطري موطئ قدم قوي في الاقتصاد الياباني، الذي يُعد من أكبر الاقتصادات المستقرة في العالم.
توقعات بتوسع التعاون القطري الياباني
ويرجّح مراقبون أن يشكّل الصندوق الجديد نقطة انطلاق لتعاون اقتصادي أوسع بين قطر واليابان، يتجاوز مجال الطاقة التقليدي ليشمل الاستثمار الصناعي والتكنولوجي والمالي.
كما يعكس هذا التحرك رغبة قطر في الاستفادة من البيئة الاستثمارية المستقرة في اليابان في ظل تقلبات الأسواق العالمية.
ويُتوقع أن يبدأ الصندوق عملياته في النصف الأول من عام 2026، بعد استكمال الترتيبات التنظيمية والحصول على الموافقات من الجهات المعنية في الدوحة وطوكيو.
بهذه الخطوة، يواصل جهاز قطر للاستثمار ترسيخ مكانته كأحد أبرز اللاعبين في الساحة المالية العالمية، جامعًا بين الرؤية الاقتصادية بعيدة المدى والقدرة على الدخول في الأسواق المتقدمة عبر شراكات نوعية تحقق مكاسب متبادلة.
