من بين العديد من أنواع اضطرابات النوم، يعد انقطاع النفس أثناء النوم أحد أكثرها شيوعًا، إلى جانب الأرق.
ويُعرف انقطاع النفس أثناء النوم باسم اضطراب “النوم واليقظة”، ويمكن أن يتسبب في توقف المصابين عن التنفس لمدة تتراوح بين 10 ثوانٍ ودقيقتين أثناء النوم.
وفي الحالات الشديدة، وفقًا لعيادة كليفلاند، يمكن لشخص مصاب بهذه الحالة أن يستيقظ 240 مرة خلال دورة نوم مدتها ثماني ساعات.
هل انقطاع التنفس أثناء النوم خطير؟
يقول الدكتور أرفيند جاداميدي، أخصائي الغدد الصماء في عيادة أستر في دبي: “بينما يتوقف التنفس ويبدأ بشكل متكرر أثناء النوم، فإن انقطاع النفس أثناء النوم هو اضطراب شائع نسبيًا. يمكن أن تؤدي هذه التوقفات، التي تستمر غالبًا لمدة 10 ثوانٍ أو أكثر، إلى تقليل مستويات الأكسجين في الدم وتعطل جودة النوم”.
الشكل الأكثر شيوعًا لهذا الاضطراب هو انقطاع النفس الانسدادي أثناء النوم، والذي يحدث عندما تسترخي عضلات الحلق وتسد مجرى الهواء مؤقتًا. هناك أيضًا انقطاع النفس المركزي أثناء النوم الأقل شيوعًا، حيث لا يرسل المخ إشارات سليمة إلى العضلات التي تتحكم في التنفس.
ويضيف جداميدي: “إن انقطاع التنفس أثناء النوم خطير بالفعل لأنه قد يؤدي إلى مجموعة من المشاكل الصحية. وبمرور الوقت، فإنه يضع ضغطًا على الجهاز القلبي الوعائي، مما يزيد من خطر ارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب والسكتة الدماغية وحتى قصور القلب. بالإضافة إلى ذلك، فإنه يسبب التعب أثناء النهار، مما قد يؤدي إلى وقوع حوادث ويؤثر على الصحة العقلية”.
العلامات والأعراض
نظرًا لأن انقطاع التنفس أثناء النوم لا يؤثر فقط على نوع ونوعية النوم، بل يؤثر أيضًا على الصحة البدنية والعقلية عندما يكون المصاب مستيقظًا، فهناك مجموعة من الأعراض الواعية وغير الواعية التي يجب الانتباه إليها.
وتقول الدكتورة رشمي فرنانديز، أخصائية أمراض الأنف والأذن والحنجرة في مستشفى رأس الخيمة، “عندما يتعلق الأمر بأعراض النوم، فإن الشخير، والاستيقاظ عدة مرات مع الشعور بالاختناق، وحرقة المعدة، والتعرق الليلي، والأرق هي الأعراض الأكثر شيوعًا”.
وقد تظهر الأعراض عند الأطفال على شكل الشخير، وصرير الأسنان، وتبول اللاإرادي، وسيلان اللعاب، والاختناق، والتعرق في الليل، وصعوبة التنفس، ومشاكل التعلم والسلوك في المدرسة، والنعاس أثناء النهار.
وإن عدم الحصول على نوم جيد قد يكون له آثار ضارة، سواء على المستوى العقلي أو الجسدي، خلال ساعات النهار.
تقول ديفيكا مانكاني، أخصائية علم النفس في مركز The Hundred Wellness Centre في دبي: “إن الافتقار المزمن إلى النوم الجيد، مثل الذي يسببه انقطاع النفس أثناء النوم، قد يؤدي إلى زيادة التفاعل العاطفي وانخفاض القدرة على إدارة التوتر”.
وتابعت “قد يعاني الأفراد من اضطرابات في المزاج، مثل زيادة التهيج والقلق وأعراض الاكتئاب. وبمرور الوقت، يؤثر الحرمان من النوم أيضًا على الوظائف الإدراكية بما في ذلك الانتباه والذاكرة واتخاذ القرار. وغالبًا ما تخلق هذه التأثيرات النفسية حلقة مفرغة، حيث يؤدي الضغط الناجم عن ضعف جودة النوم إلى تفاقم تحديات الصحة العقلية، مما يؤثر بشكل أكبر على النوم”.
السبب والنتيجة
يحدث اضطراب النوم نتيجة لمجموعة من الأسباب، بما في ذلك الوظائف الفسيولوجية واختيارات نمط الحياة.
يقول الدكتور أحمد القاسمي، أخصائي أمراض الرئة في مستشفى أستر بالشارقة: “هناك العديد من العوامل التي تزيد من خطر الإصابة بانقطاع النفس أثناء النوم، بما في ذلك زيادة الوزن، ومحيط الرقبة السميك، والتاريخ العائلي لهذه الحالة، واحتقان الأنف، وعوامل نمط الحياة، مثل التدخين وتعاطي الكحول”.
يقول الدكتور وسيم دار، أخصائي طب الأعصاب في مستشفى رأس الخيمة: “إن زيادة الوزن أو السمنة من عوامل الخطر الرئيسية للإصابة بانقطاع التنفس الانسدادي أثناء النوم”.
وأوضح أن الأشخاص الذين يعانون من السمنة معرضون لخطر الإصابة بانقطاع التنفس الانسدادي أثناء النوم بنسبة أربعة أضعاف مقارنة بأولئك الذين يتمتعون بوزن طبيعي. وترتبط زيادة الوزن بنسبة 10% بزيادة بنسبة 30% في خطر الإصابة بانقطاع التنفس أثناء النوم.
“إن السمنة تزيد من احتمالية الإصابة بانقطاع التنفس أثناء النوم من خلال التأثيرات الضيقة للدهون الموجودة في مجرى الهواء العلوي على تجويف البلعوم. كما أنها تقلل من مرونة جدار الصدر وتقلل من حجم الرئة مما يؤدي إلى فقدان قوة الجذب على هياكل مجرى الهواء العلوي.” وبالنسبة للنساء، قد ترتبط الحالة أيضًا بزيادة الوزن بسبب متلازمة تكيس المبايض.
يقول الدكتور جاداميدي: “إن الوزن الزائد للجسم، وخاصة حول الرقبة، يشكل عامل خطر رئيسي لأنه قد يؤدي إلى تضييق مجرى الهواء”.
وبصرف النظر عن مجرى الهواء الصغير، فإن عوامل تشريحية أخرى مثل اللوزتين الكبيرتين أو الفك الغائر يمكن أن تساهم أيضًا في ذلك. وتشمل الأسباب الأخرى الشيخوخة ومرض السكري والربو.
ويضيف الدكتور فرنانديز: “بشكل عام، يكون الرجال أكثر عرضة للإصابة بانقطاع التنفس الانسدادي أثناء النوم بمرتين إلى ثلاث مرات من النساء قبل انقطاع الطمث. ومع ذلك، يزداد خطر الإصابة بانقطاع التنفس الانسدادي أثناء النوم لدى النساء بعد انقطاع الطمث”.
التدخلات الطبية والتقنية
يقول الدكتور جاداميدي: “توجد عدة علاجات فعّالة لانقطاع النفس أثناء النوم، وغالبًا ما تعتمد على شدته. الضغط الهوائي الإيجابي المستمر هو جهاز موصوف بشكل شائع يستخدم ضغطًا هوائيًا لطيفًا للحفاظ على مجرى الهواء مفتوحًا أثناء النوم. هناك أيضًا أجهزة فموية، وهي أجهزة مصممة خصيصًا تعمل على تحريك الفك أو اللسان قليلاً إلى الأمام للحفاظ على مجرى الهواء مفتوحًا”.
فيما يقول الدكتور القاسمي إن التدخل الجراحي هو أيضًا خيار، وهذه الإجراءات تزيل الأنسجة أو تعيد وضع الفك لتحسين تدفق الهواء أو زرع أجهزة لدعم مجرى الهواء.
كما ظهرت تقنيات جديدة لتكملة أو البدء في استبدال جهاز ضغط مجرى الهواء الإيجابي المستمر الضخم والصاخب في كثير من الأحيان. في أكتوبر، تمت إضافة جهاز تتبع انقطاع النفس أثناء النوم إلى Apple Watch للمساعدة في تحديد الحالات المتوسطة إلى الشديدة من الاضطراب.
وقالت الشركة: “تستخدم الساعة مقياس التسارع لمراقبة الحركات الصغيرة في المعصم المرتبطة بانقطاعات في أنماط التنفس الطبيعية، والتي يتم قياسها بمقياس جديد يسمى اضطرابات التنفس”. “يمكن للمستخدمين عرض اضطرابات التنفس الليلية في تطبيق Health على iPhone و iPad، حيث يتم تصنيفها على أنها مرتفعة أو غير مرتفعة، ويمكن عرضها على مدى فترة شهر واحد أو ستة أشهر أو عام واحد”.
يستخدم مشروع Sleep Revolution، الذي تبلغ تكلفته 15 مليون دولار ويموله الاتحاد الأوروبي، الذكاء الاصطناعي لتقييم انقطاع التنفس أثناء النوم وتصميم علاجات خاصة لكل مريض.
ويتم تزويد المرضى بأجهزة ذكية يمكن ارتداؤها مع تتبع البيانات عبر تطبيق، مما يسمح بإجراء تشخيص طويل الأمد في المنزل لعدة ليالٍ غير متاح في المستشفيات وعيادات النوم. ستصدر نتائج التجربة التي تستمر أربع سنوات في عام 2025.
وإن نقل التشخيص من المستشفى إلى المنزل يفتح المجال أمام إجراء التشخيص في عدة ليالٍ، وهو أمر مكلف للغاية بالنسبة لمعظم الأطباء. وهذا يجعل من الممكن اكتشاف جودة النوم والتغيرات في شدته في ليالٍ مختلفة ومراقبة نوم الأشخاص بشكل أكثر طبيعية.
تغييرات نمط الحياة ووضعيات النوم
لكن قبل التفكير في إجراء عملية جراحية أو حتى استخدام الأدوات، يوصي الخبراء بتطبيق بعض النصائح التي من شأنها تحسين نمط الحياة. ومن بين هذه النصائح فقدان الوزن.
ويقول الدكتور جاداميدي: “إن فقدان الوزن ولو بمقدار ضئيل يمكن أن يقلل الضغط على مجرى الهواء ويخفف الأعراض”.
كما أن الإقلاع عن التدخين والحد من تناول الكحول، وخاصة قبل النوم، من بين الإجراءات الأكثر فعالية. ويقول الدكتور دار: “إن العادات مثل تنظيم جدول النوم، وعلاج حساسية الأنف الموجودة، والحد من استخدام الأدوية الأفيونية والمهدئات، وزيادة النشاط البدني يمكن أن تساعد أيضًا”.
ويعد وضع النوم من النصائح المفيدة الأخرى. بالنسبة لأولئك الذين يعانون من انقطاع النفس الخفيف أثناء النوم، قد تتفاقم الحالة إذا استلقيت على ظهرك. يمكن أن يمنع النوم على جانبك باستخدام وسادة متخصصة للدعم اللسان والأنسجة الرخوة من الانهيار في مجرى الهواء.
كما أن إضافة نهج شامل قد يكون مفيدًا أيضًا. يقول مانكاني: “إلى جانب العلاجات الطبية لانقطاع النفس أثناء النوم، يمكن أن تكون ممارسات مثل التأمل الذهني والعلاج السلوكي المعرفي للأرق وتقنيات الاسترخاء مثل استرخاء العضلات التدريجي مفيدة. تساعد هذه الأساليب في تقليل القلق حول النوم وتعزيز الاسترخاء”.