تعيش محافظة الجوف شمال اليمن، الواقعة على حدود الربع الخالي، حالة من الفقر والجوع ونقص المياه، مثل الكثير من المحافظات اليمنية التي مزقتها الحرب منذ أكثر من عقد.
ومع أنّ سكانها البالغ عددهم نحو 590 ألف نسمة يعتمدون بشكل أساسي على المساعدات، فإن الجوف باتت واحدة من أبرز ممرات تهريب المخدرات في اليمن، وفق ما يؤكده مسؤولون محليون وأمنيون.
وتتنوع القوى المسيطرة على البلاد بين الحوثيين المدعومين من إيران في الشمال، والحكومة المعترف بها دوليًا في الجنوب.
وبين هذا الانقسام الأمني العميق وتفشي الفوضى، تحولت اليمن إلى مسار رئيسي لتهريب المخدرات نحو أسواق الخليج، مدفوعة بموقعها الاستراتيجي على البحر الأحمر ومضيق باب المندب.
وتقول شخصيات أمنية وخبراء إن تجارة المخدرات “انفجرت” خلال العامين الماضيين، خصوصًا الكبتاغون، الذي كانت سوريا تحتكر معظم إنتاجه قبل انهيار سلطتها الاقتصادية.
ويُقاس هذا “الانفجار” بعمليات الضبط في اليمن، التي ارتفعت من 358 ألف حبة عام 2024 إلى 1.7 مليون حبة في 2025، بحسب بيانات معهد “نيولاينز” الأمريكي.
وتوضح الخبيرة كارولين روز أن توسع تجارة المخدرات في اليمن ليس نتيجة لسقوط نظام الأسد، بل تطور ظهر بينما كان النظام ما يزال في السلطة عام 2024.
ومع تضييق الخناق على طرق التهريب عبر لبنان وسوريا، اتجه المتاجرون إلى تنويع المسارات، وكان اليمن من بينها. وقدّر خبراء بريطانيون وأمريكيون قيمة تجارة الكبتاغون عالميًا بـ57 مليار دولار بحلول 2023.
هذا الأسبوع وحده، أعلنت بيروت ضبط 6.5 مليون حبة كبتاغون و700 كيلوغرام من القنب الهندي كانت في طريقها إلى السعودية، التي كانت قد فرضت قيودًا على الواردات اللبنانية منذ 2021 بسبب تهريب المخدرات.
ويدخل الكبتاغون اليمن عبر القوارب، أو عبر الحدود من عُمان نحو محافظة المهرة، وفق مسؤولين يعملون على مكافحة التهريب. ثم ينتقل عبر طرق معروفة ومحمية، تُستخدم كذلك لتمرير الأسلحة والمواد المحظورة، قبل أن يعبر الحدود اليمنية–السعودية التي تمتد 1300 كيلومتر، باستخدام الشاحنات أو الحمير أو الطائرات المسيّرة.
وتُعد الجوف نقطة محورية، إذ تمر عبرها أغلب خطوط النقل تحت أنظار القوى المسيطرة. ويقول مصدر أمني: “كل هذا يحدث الآن على مرأى من الجميع. السيارات المحملة بالمخدرات تمر في الشوارع، والجميع يعرف أن المتورطين محميون”.
ويضيف أن المهربين يعملون لصالح من يدفع أكثر، دون أي ولاء سياسي. ففي بلد يعيش 82% من سكانه تحت خط الفقر، يتم بيع الحبة الواحدة خارج اليمن بنحو 20 دولارًا، ما يجعل التهريب إلى الخليج الخيار الأكثر ربحًا.
تقول روز إن علامات الاتجار موجودة في مناطق يسيطر عليها الحوثيون والحكومة على حد سواء، دون وجود احتكار لطرف واحد. وبينما تتهم الحكومة الحوثيين بجلب خبراء من حزب الله لإدارة مختبرات إنتاج، يشير مسؤولون يمنيون إلى تداخل شبكات الفساد بين مختلف الأطراف.
وفي عملية دولية حديثة، أعلنت الوكالة العالمية لمكافحة المنشطات ضبط 447 كيلوغرامًا من المواد المخدرة والمنشطات، وتفكيك ما قالت إنه أول منشأة حديثة لإنتاج المخدرات في اليمن، يُعتقد أنها تضم خبراء سوريين وإيرانيين وتخدم الحوثيين، وهي اتهامات تنفيها طهران.
وتمثل القبائل السلطة الفعلية في كثير من المناطق، وتعمل كوسيط بين المهربين والجهات المكلفة بمكافحة الجريمة. وفي أحيان كثيرة، تقول المصادر، يكون أفراد الأمن أنفسهم جزءًا من شبكات التهريب.
ويختصر أحد مسؤولي الجوف الصورة بقوله: “المصالح تتجاوز خطوط المواجهة”. أما أحد تجار المخدرات فنقل ببساطة سبب الإفلات من العقاب في اليمن: “إنهم جميعًا أصدقاء”.