كشفت وثائق نشرتها هيئة الإذاعة البريطاني “بي بي سي” النقاش السري بين بريطانيا والسعودية بشأن التعامل مع الصحوة الإسلامية والمطالبين بالإصلاح بعد ثورة إيران.
والوثائق التي تم الكشف عنها تقدم نظرة دقيقة على النقاشات السرية التي دارت بين الحكومة البريطانية والسعودية حول التعامل مع الصحوة الإسلامية وتداعيات الثورة الإيرانية.
وهذه الوثائق تم الإفصاح عنها بعد مرور سنوات طويلة على الأحداث، وتظهر التوترات السياسية التي كانت تسود في المملكة في ذلك الوقت.
تتضمن الوثائق مذكرات وتقارير سرية أرسلها دبلوماسيون بريطانيون إلى حكومتهم، توضح فيها الضغط الذي تمارسه بريطانيا على السعودية لإجراء إصلاحات سياسية ومواجهة التوترات الداخلية بطرق أكثر انفتاحاً.
الوضع الداخلي في السعودية كان متوتراً للغاية، حيث كانت المملكة تواجه تحديات متزايدة من داخلها، مع انتشار الصحوة الإسلامية وتصاعد المطالب بالإصلاح. بعد الثورة الإيرانية، ازداد الخوف من تأثير هذه الصحوة على استقرار الحكم السعودي.
بريطانيا ضغطت على السعودية للقيام بإصلاحات سياسية واسعة تشمل الحد من قمع أنصار الصحوة الإسلامية، وهي حركة دينية إصلاحية نشأت بعد الثورة الإيرانية. كانت تلك النقاشات تجري بين قادة البلدين، بما في ذلك الملك فهد ورئيس الوزراء البريطاني جون ميجور.
وقد نشأت الصحوة الإسلامية كتيار إسلامي محافظ بعد الثورة الإيرانية عام 1979، حيث تأثرت بالتحولات الإقليمية والدينية التي أحدثتها الثورة. على مر السنوات، اكتسبت الصحوة الإسلامية زخماً في السعودية خاصة خلال فترة الثمانينيات.
وقادت الحكومة السعودية حملة قمع ضد قادة الصحوة الإسلامية، التي كانت تدعو إلى الإصلاح الديني والسياسي، واعتقلت شخصيات بارزة مثل سلمان العودة وعائض القرني دون تقديمهم للمحاكمة.
وازدادت حدّة هذا الصراع بعد حرب تحرير الكويت في عام 1991، حيث عززت الصحوة تأثيرها على الساحة السياسية.
خلص البريطانيون إلى أن معالجة التطرف في السعودية تتطلب إصلاحات سياسية واجتماعية جذرية، وليس مجرد مواجهة الأعراض الظاهرة للتطرف.
ورأى الدبلوماسي سير جيمس كريغ أن آل سعود يعتمدون على استغلال الدين الإسلامي لضمان بقاء حكمهم واستقراره، محذرا من أن هذا النهج قد لا يكون كافياً على المدى الطويل.
وفي عام 1992، وقّع قادة الصحوة الإسلامية على مذكرة النصيحة، وهي وثيقة قدموا فيها مطالب واضحة لإصلاحات شاملة تشمل تقليص الفساد وتعزيز الشفافية. الملك فهد تعامل مع هذه المطالب بحذر، حيث سعى لتجنب الدخول في مواجهة مباشرة مع العلماء، مما يعكس التوازن الحساس بين السلطة الحاكمة والمطالب الدينية.
الملك فهد أكد خلال لقائه مع جون ميجور على ضرورة أن تظل الحكومة مسيطرة على المؤسسة الدينية، لضمان عدم خروج الخطاب الديني عن السيطرة. تم التحذير من أن المتطرفين قد يستغلون المنابر الدينية للتأثير في الشؤون السياسية والاجتماعية داخل المملكة.
رأى الدبلوماسي البريطاني سير آلان غوردون مونرو أن المملكة بحاجة إلى نقاش داخلي أوسع وصحافة حرة لمواجهة التحديات. كانت هذه الدعوات للإصلاح تهدف إلى تعزيز الاستقرار وتقليل احتمالات التطرف من خلال السماح بمزيد من الحريات.
كجزء من جهود الإصلاح، أقدم الملك فهد في عام 1992 على إعادة تشكيل مجلس الشورى، حيث ضم شخصيات أكثر اعتدالاً وانفتاحاً على التغيير. اعتبرت بريطانيا هذا التطور خطوة إيجابية نحو إحداث تغييرات سياسية قد تساعد في تهدئة الوضع الداخلي.
كما حذر البريطانيون من أن الإجراءات القمعية التقليدية التي اتبعتها السعودية لم تعد كافية لمواجهة الأفكار الإصلاحية والمتطرفة. السفير البريطاني سير آلان مونرو شدد على ضرورة معالجة جذور المشكلة من خلال السماح بمزيد من النقاش العام وتجنب استخدام القمع كأداة رئيسية لضبط الأوضاع.