في خطوة مفاجئة أثارت جدلًا واسعًا في أسواق الطاقة، رفعت المملكة العربية السعودية إنتاجها من النفط الخام الشهر الماضي إلى مستويات تفوق بكثير حصتها المتفق عليها ضمن تحالف أوبك بلس، في تحرك وصفه محللون بأنه «نادر» من دولة اعتادت توجيه الانتقادات إلى أعضاء آخرين في التحالف بسبب تجاوز حصصهم الإنتاجية.
وبحسب وكالة الطاقة الدولية، زادت السعودية إنتاجها بنحو 700 ألف برميل يوميًا ليصل إلى 9.8 ملايين برميل يوميًا، وهو أعلى مستوى للإنتاج السعودي منذ عامين. وتشكّل هذه الزيادة خرقًا واضحًا لاتفاق خفض الإنتاج الذي يقوده تحالف أوبك بلس، والذي يهدف إلى الحفاظ على استقرار سوق النفط العالمي ومنع تراجع الأسعار إلى مستويات تهدد اقتصادات الدول المنتجة.
منتجون آخرون يخالفون الحصص
ولم تكن السعودية وحدها من تجاوز حصتها الإنتاجية الشهر الماضي، إذ أشار تقرير الوكالة إلى أن دولًا أخرى بينها العراق والكويت والإمارات رفعت إنتاجها أيضًا، مستغلة حالة التوتر الجيوسياسي في المنطقة بعد اندلاع الحرب بين إسرائيل وإيران، والتي أثارت مخاوف الأسواق من اضطرابات محتملة في الإمدادات.
وفي المقابل، تراجع إنتاج إيران بمقدار 400 ألف برميل يوميًا نتيجة الأضرار التي لحقت بمنشآتها النفطية خلال النزاع العسكري الأخير، وفق ما نقلته بلومبيرغ عن مصادر في صناعة الطاقة.
ضغط إضافي على الأسعار
تأتي هذه الزيادات في الإنتاج في وقت حرج يشهد فيه السوق العالمي فائضًا كبيرًا في إمدادات النفط، وهو ما يضع أسعار الخام تحت مزيد من الضغوط. فقد تراجعت الأسعار بنحو 13% منذ منتصف يونيو، متأثرة بمزيج من ضعف الطلب العالمي وتزايد المعروض، بحسب بيانات وكالة الطاقة الدولية.
وقالت الوكالة في تقريرها الشهري: “شهدت الأشهر الأخيرة تباطؤًا ملحوظًا في الطلب على النفط، خاصة في الدول النامية، وسط تباطؤ اقتصادي وارتفاع تكاليف الاقتراض وأسعار الصرف، ما يضغط على معدلات استهلاك الوقود.”
ويثير هذا التراجع المستمر في الأسعار قلق الدول المنتجة، التي تعتمد على إيرادات النفط كمصدر رئيسي لتمويل موازناتها. في المقابل، قد تستفيد الدول المستوردة للنفط من انخفاض الأسعار في خفض كلفة الطاقة وتخفيف أعباء التضخم.
السعودية تدافع عن قرارها
حتى الآن، لم تصدر الرياض بيانًا رسميًا يوضح أسباب رفعها للإنتاج. غير أن مصادر مطلعة في قطاع الطاقة رجحت أن يكون القرار جزءًا من استراتيجية تكتيكية لتعويض أي نقص محتمل في السوق نتيجة التوترات الإقليمية، أو ربما استباقًا لأي تراجع في الأسعار عبر زيادة الحصة السوقية للمملكة.
ويرى محللون أن التحرك السعودي قد يعقد جهود أوبك بلس لتحقيق التوازن بين العرض والطلب، خاصة مع وجود مؤشرات على تراجع نمو الاقتصاد الصيني، وهو أكبر مستورد للنفط في العالم، ما يهدد بانخفاض إضافي في الطلب على الخام.
وقال خبير الطاقة في بلومبيرغ، جوليان لي: “السعودية تمشي على حبل مشدود. فهي من جهة تريد أسعارًا داعمة لموازناتها، لكنها من جهة أخرى لا تريد خسارة حصتها السوقية لصالح منافسين آخرين.”
وتواجه أوبك بلس تحديًا صعبًا في الفترة المقبلة في ظل تصاعد الخروقات من الدول الأعضاء، ما قد يضع مصداقية التحالف على المحك ويهدد استقرار سوق النفط العالمي.