بين ناطحات السحاب الفاخرة والمطاعم الراقية ومراكز التسوق المبهرة، أصبحت دبي وجهة مفضلة لأثرياء روسيا الذين فرّوا من تداعيات العقوبات الغربية على موسكو، بعدما امتنعت الإمارات عن الانضمام إلى تلك العقوبات، ما جعل الإمارة الخليجية بديلاً للمدن الأوروبية التي كانت يومًا ملاذًا لهم مثل لندن وجنيف.
ويعكس المشهد في دبي قصة تحول اقتصادي وسياسي، حيث باتت الإمارة مساحة مفتوحة للنخبة الروسية التي وجدت نفسها عالقة بين الولاء لنظام الرئيس فلاديمير بوتين، والرغبة في الحفاظ على نمط حياة عالمي بعيدًا عن العزلة الدولية.
بريغوجين مثالًا للنخبة الروسية
أحد هؤلاء هو المنتج الموسيقي الروسي يوسيف بريغوجين، الذي يعيش مع زوجته المغنية الشهيرة فاليريا بين موسكو ودبي. في لقاء أجرته معه صحيفة نيويورك تايمز على عشاء فاخر في الطابق الخامس والعشرين من منتجع فاخر بدبي، تحدّث بريغوجين عن علاقاته الواسعة التي تضم “الجنرالات والمجرمين” على حد وصفه، مجسدًا صورة النخبة الروسية التي تملك روابط عميقة بالنظام لكنها تجد نفسها في الوقت ذاته منجذبة للحياة الفارهة خارج روسيا.
ويمتلك بريغوجين وزوجته شقتين في دبي، ويقضيان وقتًا طويلًا في أجواء الإمارة المترفة، حيث تؤدي فاليريا عروضًا على منصات مرتفعة وسط أفق دبي المتلألئ، بينما تواصل علاقاتهما الوثيقة بدوائر السلطة في موسكو.
دبي تحل محل العواصم الغربية
أصبحت دبي، وفق الصحيفة، ملاذًا للروس الذين لم يتوقعوا غزو أوكرانيا، لكنهم أصبحوا اليوم مرتبطين جدًا بالنظام الروسي ليتمكنوا من الانفصال عنه بسهولة. هنا يجدون بيئة صديقة لا تتطلب منهم تبرير علاقاتهم السياسية أو الاقتصادية، ولا تتقيد بالحظر الغربي على الأموال الروسية.
وتشير الصحيفة إلى أن دبي حلّت فعليًا محل لندن وسويسرا كوجهة مفضلة للأموال الروسية، حيث تُفتح الشركات والعقارات والحسابات المصرفية دون قيود صارمة، لتواصل النخبة الروسية حياتها المترفة على وقع موسيقى البوب والعقود الاستثمارية.
لقاءات خاصة مع بوتين
الغريب في حياة بريغوجين وزوجته أنهما رغم تذمّرهما من بعض سياسات بوتين في أحاديث خاصة، لا يزالان يكنّان له قدرًا من الإعجاب الشخصي. فقد تحدثا عن لقاءات خاصة جمعتهما به، واصفين إياه بأنه “عطوف وذو روح مرحة”، ويمتلك حضورًا قويًا يجعل الناس ينجذبون إليه.
لكن العلاقة مع بوتين لم تمنعهما من بناء حياة في الغرب أيضًا. فبينما دعما بوتين في حملاته الانتخابية وغنيا في احتفالات ضم القرم، كانا في الوقت نفسه يملكان عقارات في لندن وجنيف، ويدرس أولادهما في مدارس غربية مرموقة.
وقال بريغوجين في حديثه للصحيفة: “أنا أتأقلم لأعيش. اليهود إما ثوريون أو متأقلمون. وأنا لا أخجل من أنني أتأقلم.”
مستقبل غامض
تسلط قصة بريغوجين وفاليريا الضوء على المفارقة التي يعيشها كثير من الروس في دبي: فهم جزء من نظام سياسي يواجه عزلة دولية غير مسبوقة، لكنهم في الوقت ذاته لا يزالون ينعمون بالرفاهية والحرية في مدن مثل دبي، بعيدًا عن قيود العقوبات وصقيع السياسة الدولية.
وبين عالمين، تظل دبي الشاهدة الأحدث على قدرة النخبة الروسية على التأقلم، والحفاظ على نمط حياتها الفاخر، مهما اشتدت العواصف السياسية.