شهدت العاصمة البريطانية لندن، قبل أيام حدثًا دبلوماسيًا بارزًا تمثل في إعادة افتتاح السفارة السورية بعد أكثر من 13 عامًا من الإغلاق، وهو ما يمثل نقطة تحول كبيرة في تاريخ العلاقات السورية-البريطانية، وفي حياة الجالية السورية في المملكة المتحدة.
وترأس وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني مراسم إعادة افتتاح السفارة في مبنى ساحة بيلجريف، في خطوة رمزية بعد سنوات من العزلة الدولية التي شهدتها دمشق إثر الحرب الأهلية السورية.
وقد تجمع مئات الأشخاص في الخارج، حاملين الأعلام السورية ومرددين شعارات احتفالية، تعبيرًا عن الأمل بفصل جديد لسوريا بعد عشرات السنوات من النزاع والمعاناة.
ويعد إعادة افتتاح السفارة مؤشرًا على إعادة دمشق إلى المجتمع الدولي بعد فترة من العزلة الدبلوماسية. فإغلاق السفارة في عام 2012 جاء على خلفية أحداث مذبحة الحولة التي أدت إلى طرد دبلوماسيين سوريين من بريطانيا وعشر دول غربية أخرى، في خطوة اعتبرتها هذه الدول إدانة لسياسات حكومة الأسد.
ومع الإطاحة بالرئيس السابق بشار الأسد في ديسمبر 2024، وظهور الحكومة الجديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع، بدأت دمشق في استعادة علاقاتها الدولية تدريجيًا، بما في ذلك الزيارات الرسمية إلى واشنطن ولندن.
وتحمل هذه الخطوة عدة دلالات استراتيجية وسياسية. أولًا، هي إشارة واضحة إلى رغبة الحكومة السورية الجديدة في كسر العزلة التي فرضتها الصراعات الداخلية والإجراءات الدولية السابقة.
ويظهر إعادة الافتتاح أن سوريا تسعى الآن إلى إعادة بناء جسور التعاون مع القوى الغربية، مع التركيز على تفعيل القنوات الدبلوماسية التقليدية لدعم مصالح المواطنين السوريين في الخارج.
ثانيًا، يمثل هذا الحدث تحولًا ملموسًا في تجربة الجالية السورية في المملكة المتحدة. بالنسبة للعديد من اللاجئين والمقيمين، كانت السفارة مصدر خوف في السابق، بسبب ارتباطها بجهاز الأمن السوري خلال فترة الأسد، وهو ما انعكس على شعورهم بالقلق وعدم الثقة.
واليوم، تُرى السفارة كرمز للأمان والدعم، حيث يستطيع المواطنون الحصول على خدماتهم الأساسية مثل استخراج جوازات السفر، وتسجيل المواليد، وإتمام الإجراءات الإدارية دون عناء السفر بعيدًا.
ثالثًا، تحمل إعادة الافتتاح بعدًا رمزيًا وثقافيًا. فقد وصف الحضور، ومن بينهم البريطانيون السوريون، هذا اليوم بأنه “تاريخي”، إذ يمثل بداية فصل جديد لهوية سورية حرة ومستقلة في الخارج، بعد سنوات من النزاع والخوف.
كما أشارت بعض الشخصيات إلى أن هذه الخطوة تعكس رغبة المجتمع الدولي في دعم التحولات الداخلية في سوريا، وإعادة دمجها في نظام العلاقات الدولية بعد فترة من الانعزال.
وعلى الصعيد الدولي، تشير الخطوة إلى أن الحكومة البريطانية أصبحت ترى في إدارة الرئيس أحمد الشرع شريكًا موثوقًا لإعادة العلاقات الثنائية، مع التركيز على المصالح المشتركة وإعادة الاستقرار للمنطقة. وهذا يعكس تحولًا استراتيجيًا، حيث تنتقل دمشق من موقع الدولة المنبوذة إلى طرف يسعى لإعادة تثبيت نفسه على الخارطة الدبلوماسية.
من ناحية أخرى، تحمل اللحظة بعدًا إنسانيًا واجتماعيًا بالغ الأهمية للجالية السورية، إذ يمثل الحضور الجماهيري في ساحة بلجريف فرصة للتعبير عن الفرح والفخر، بعد سنوات من القمع والتهجير والتشريد. فقد وصف البعض هذا اليوم بأنه يمثل “روح سورية جديدة”، وفرصة للتواصل مع الوطن من خلال روابط ثقافية ودبلوماسية رسمية.
ويمكن القول إن إعادة افتتاح السفارة السورية في لندن ليست مجرد حدث بروتوكولي، بل تعكس تحولًا دبلوماسيًا واستراتيجيًا، وتعيد تعريف العلاقة بين دمشق ولندن، وتفتح صفحة جديدة للجالية السورية في المملكة المتحدة.