في ضربة جديدة للاقتصاد الفرنسي، خفّضت وكالة التصنيف الائتماني فيتش، مساء الجمعة، تصنيف فرنسا من AA- إلى A+، مشيرة إلى الاستقطاب السياسي المتزايد وعدم الاستقرار الحكومي، إلى جانب التحديات المزمنة المتعلقة بالدين العام والعجز المالي. ويأتي هذا القرار في وقت حساس، بعد أيام قليلة من تعيين رئيس وزراء جديد ومحاولة الحكومة إعادة ضبط مسارها المالي.
وأوضحت فيتش في تحليلها أن “التشرذم والاستقطاب السياسي الداخلي” منذ الانتخابات التشريعية المبكرة في منتصف 2024، أضعفا قدرة باريس على تنفيذ إصلاحات مالية جوهرية.
وأضافت: “تعاقبت على فرنسا ثلاث حكومات في غضون عام واحد، ما يعكس هشاشة المشهد السياسي ويجعل من غير المرجح أن تتمكن الدولة من خفض عجزها المالي إلى 3% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2029، كما كان مخططًا.”
ورغم أن التوقعات المصاحبة للتصنيف الجديد وُصفت بـ”المستقرة”، إلا أن الخفض يمثل إنذارًا للأسواق المالية والمستثمرين حول التحديات التي تواجهها ثاني أكبر اقتصاديات منطقة اليورو.
الأزمة السياسية وتأثيرها
يأتي قرار فيتش متزامنًا مع مرحلة من الاضطراب السياسي. فقد أقال الرئيس إيمانويل ماكرون رئيس الوزراء فرانسوا بايرو مطلع الأسبوع، بعدما خسر تصويتًا على الثقة في البرلمان على خلفية خطة تقشفية مثيرة للجدل تضمنت خفض الإنفاق بقيمة 43.8 مليار يورو.
وشملت الخطة إجراءات غير شعبية مثل إلغاء عطلتين رسميتين، وتجميد بعض معاشات التقاعد ورواتب موظفين حكوميين، ما أثار رفضًا واسعًا من المعارضة بشقيها اليميني المتطرف واليساري.
ولتفادي مزيد من الاحتقان، عيّن ماكرون وزير الدفاع السابق سيباستيان ليكورنو رئيسًا جديدًا للوزراء، والذي سارع إلى النأي بنفسه عن سياسات سلفه، في محاولة لاستمالة الاشتراكيين من يسار الوسط لضمان قاعدة برلمانية أوسع.
تداعيات مالية خطيرة
تحذيرات فيتش ليست جديدة. فقد دعت مؤسسات مالية دولية ومدققو الحسابات فرنسا مرارًا إلى كبح العجز المالي المتفاقم، الذي تضخم نتيجة الإنفاق الطارئ خلال جائحة كورونا وأزمة الطاقة المرتبطة بالحرب في أوكرانيا.
بلغ العجز العام نحو 5% من الناتج المحلي الإجمالي، بينما تجاوز الدين العام نسبة 110% من الناتج، وهو ما يضع فرنسا في خانة الدول الأكثر مديونية داخل الاتحاد الأوروبي.
ووفق تقديرات رسمية، ستصبح خدمة الدين العام (الفوائد) أكبر بند في ميزانية 2026 إذا لم تُنفذ إصلاحات جذرية، متقدمة بذلك على مخصصات التعليم والبرامج الاجتماعية.
وتعهدت الحكومة الفرنسية بخفض العجز إلى 4.6% في 2026 ثم إلى أقل من 3% بحلول 2029، التزامًا بقواعد الاتحاد الأوروبي. لكن فيتش ترى أن هذه الأهداف “غير مرجحة” في ظل الأوضاع السياسية الحالية، خصوصًا مع اقتراب الانتخابات الرئاسية في 2027.
ردود الفعل السياسية
قرار فيتش وضع الحكومة الفرنسية تحت ضغوط إضافية. المعارضة اليمينية اتهمت ماكرون بـ”فقدان السيطرة على المالية العامة”، فيما اعتبرت الجبهة الوطنية أن “التقشف على حساب الطبقات الوسطى والفقيرة لن يحل الأزمة”.
في المقابل، شدد مقربون من رئيس الوزراء الجديد ليكورنو على أن “فرنسا ستواصل التزامها بالانضباط المالي، لكن عبر حلول أكثر توازناً تأخذ في الاعتبار البعد الاجتماعي”، في إشارة إلى احتمال إعادة صياغة خطة خفض العجز لتجنب الإجراءات الأكثر قسوة.
إلى جانب ذلك فإن خفض تصنيف فرنسا قد تكون له ارتدادات على منطقة اليورو بأكملها. فرنسا، إلى جانب ألمانيا، تعدّ حجر الأساس للاستقرار المالي في التكتل الأوروبي. وإذا لحقت وكالتا موديز وستاندرد آند بورز بقرار فيتش خلال تقييماتهما المقررة في أكتوبر ونوفمبر، فقد تواجه باريس ارتفاعًا أكبر في تكلفة الاقتراض.
والأمر قد يعرقل أيضًا طموحات الاتحاد الأوروبي في إطلاق برامج استثمارية خضراء ورقمية تعتمد على قدرة الدول الكبرى، مثل فرنسا، على توفير مساهمات مالية قوية.