يعود الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي ورئيس الوزراء، إلى العاصمة الأميركية واشنطن، يوم الثلاثاء، في أول زيارة رسمية له منذ عام 2018، عقب وفاة الصحفي والناقد السعودي جمال خاشقجي في إسطنبول، وهي الحادثة التي أثارت غضبًا عالميًا وتوتر العلاقات بين الرياض وواشنطن.
وتأتي الزيارة بعد سبع سنوات من الغياب، وتركز على تعزيز العلاقات الاقتصادية والأمنية بين السعودية والولايات المتحدة، مع توسيع الانفتاح العالمي للنظام السعودي في مجالات التمويل والذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا.
وتفخر المملكة بامتلاك أكبر اقتصاد في العالم العربي وأكبر إنتاج نفطي عالمي، ما يجعلها شريكًا استراتيجيًا للولايات المتحدة على المستويين الإقليمي والدولي.
وسيجتمع ولي العهد مع الرئيس دونالد ترامب في البيت الأبيض، ضمن مراسم رسمية، وستُقام مأدبة عشاء رسمية، وسط تزيين الأعلام السعودية والأميركية أمام مقر الرئاسة الأمريكية، ما يعكس حجم الأهمية الممنوحة لهذه الزيارة.
وتُقدّم الرحلة رسميًا كـ”زيارة عمل”، بهدف متابعة ما تم الاتفاق عليه خلال زيارة ترامب إلى الرياض في مايو الماضي، والتي تضمنت إعلان حزمة صفقات دفاعية كبيرة واستثمارات اقتصادية ضخمة.
وتشمل الاتفاقيات الدفاعية التي أعلنت سابقًا صفقات بقيمة 142 مليار دولار، مع أكثر من اثنتي عشرة شركة أميركية، في مجالات الدفاع الجوي والصاروخي وتطوير سلاح الجو والفضاء والأمن البحري والاتصالات.
من جهتها، أعلنت السعودية استثمار 600 مليار دولار في الولايات المتحدة عبر قطاعات متنوعة تشمل أمن الطاقة والدفاع والتكنولوجيا والبنية التحتية والمعادن الحيوية، إضافة إلى مشاريع البنية التحتية والطاقة والصحة والصناعات الرياضية.
ومن بين الخطوات البارزة، تخطط الإدارة الأمريكية لبيع طائرات إف-35 للمملكة، وهي الأولى من نوعها لجيش عربي، رغم المخاوف الإسرائيلية بشأن الحفاظ على التفوق العسكري النوعي.
وتأتي زيارة ولي العهد وسط مساعٍ سعودية للحصول على ضمانات أمنية واضحة من الولايات المتحدة، مماثلة لتلك التي أبرمت مع قطر، بحيث ينص الاتفاق على اعتبار أي تهديد أو هجوم على المملكة هجومًا على الولايات المتحدة، مع السماح لها بالرد وفقًا للخيارات السياسية أو العسكرية المناسبة، وهو ما يعكس رغبة السعودية في تعزيز أمنها في ظل الاضطرابات الإقليمية.
كما يركز ولي العهد على دعم تنفيذ خطة الرئيس الأمريكي ذات البنود العشرين للسلام في غزة، مع التأكيد على رغبة المملكة في مسار موثوق نحو إقامة دولة فلسطينية مستقلة، كشرط لدعم نزع سلاح حماس وإعادة إعمار غزة.
غير أن هذه الطموحات تواجه عقبات كبيرة، خصوصًا من إسرائيل، التي أعادت التأكيد على معارضتها لإقامة الدولة الفلسطينية، في موقف أعلنه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مؤخرًا، مع تأكيده على ضرورة نزع سلاح حماس وإعادة تسليح غزة بطريقة يصفها بـ”السهلة أو الصعبة”.
ويرى محللون أن الزيارة تحمل بعدًا اقتصاديًا وأمنيًا مهمًا، إذ يمكن أن تشمل تفاصيل إضافية للصفقات المالية والتكنولوجية، بما في ذلك استثمارات السعودية في مراكز البيانات الخاصة بالذكاء الاصطناعي والبنية التحتية للطاقة والتقنيات المتقدمة، إلى جانب متابعة الاتفاقيات الدفاعية السابقة بين البلدين.
كما تبرز القضية الفلسطينية وملف السلام في غزة كأحد الملفات الدبلوماسية التي سيتابعها الطرفان، بما يعكس التوازن بين المصالح الاستراتيجية والضغط السياسي الإقليمي والدولي.
وفي ظل هذه التطورات، تشكل زيارة ولي العهد السعودي إلى واشنطن مؤشرًا مهمًا على استمرار الشراكة الاستراتيجية بين الرياض وواشنطن، مع تسليط الضوء على أولويات المملكة في الدفاع والاستثمار والنفوذ الإقليمي، في حين يظل الملف الفلسطيني محور اهتمام دبلوماسي رئيسي، يوازن بين الرغبة في الاستقرار الإقليمي وتحقيق تقدم ملموس نحو سلام دائم في غزة.