في تحول لافت في استراتيجيتها، وافقت مجموعة أوبك+ على زيادة حادة في إنتاج النفط بدءًا من سبتمبر المقبل، مستأنفة بذلك التراجع التدريجي عن التخفيضات التاريخية التي أقرتها سابقًا، ومضيفة 547 ألف برميل يوميًا إلى السوق، في خطوة تهدف إلى استعادة الحصة السوقية وسط مخاوف متزايدة من تخمة في المعروض وتباطؤ في الطلب العالمي.
وجاء القرار خلال مؤتمر عبر الفيديو عُقد يوم الأحد، بمشاركة دول التحالف، وعلى رأسها السعودية وروسيا. وتمثل الزيادة استكمالًا للتراجع عن الخفض الذي بلغ 2.2 مليون برميل يوميًا، كانت قد التزمت به ثماني دول عام 2023، كما تشمل حصة تصاعدية خاصة بالإمارات، سيتم تفعيلها تدريجيًا.
من الدفاع إلى الهجوم
وتشير هذه الخطوة إلى تحول استراتيجي واضح في نهج أوبك+، من التركيز على دعم الأسعار إلى التركيز على استعادة النفوذ في السوق. ويأتي هذا التحول في ظل التوترات الجيوسياسية، وضغط إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب لكبح أسعار النفط والبنزين، خصوصًا مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
وبحسب خورخي ليون، محلل شركة ريستاد إنرجي، فإن “المجموعة نجحت حتى الآن في العودة المنظمة للإنتاج، لكن التحدي الحقيقي لم يبدأ بعد”، محذرًا من أن السوق على شفا فائض متزايد قد يهدد استقرار الأسعار.
خيارات معلّقة
وأكد ثلاثة من المندوبين المشاركين في الاجتماع أن أوبك+ لم تحسم بعد موقفها من طبقة إضافية من الخفض تبلغ 1.66 مليون برميل يوميًا، والمقررة حتى نهاية 2026. وأشاروا إلى أن مراجعة هذا البند قد تُطرح لاحقًا هذا العام، استنادًا إلى “صحة أساسيات السوق”.
وقال أحد كبار المندوبين إن قصر مدة الاجتماع – والتي لم تتجاوز 16 دقيقة – يعكس “توحيد الموقف داخل التحالف”، مع احتفاظ الدول بمرونة عقد اجتماعات طارئة لتجميد أو تعديل الإمدادات إذا لزم الأمر.
خلفية سياسية وضغوط أمريكية
يتزامن القرار مع ضغوط دبلوماسية متزايدة من واشنطن، حيث هدّد الرئيس ترمب بفرض رسوم ثانوية على عملاء النفط الروسي في حال لم يتم التوصل إلى وقف إطلاق نار سريع في أوكرانيا. وقد زار نائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك الرياض قبل أيام، حيث التقى وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان في زيارة نادرة هدفت إلى تنسيق المواقف قبيل اجتماع أوبك+.
ويرى مراقبون أن جزءًا من دوافع الزيادة الإنتاجية الحالية هو تهدئة إدارة ترمب، ومنع ارتفاع أسعار النفط الذي قد يهدد تعافي الاقتصاد الأمريكي.
المخاوف من فائض ضخم
رغم ارتفاع الإنتاج، تبقى المخاوف قائمة من فائض عالمي متوقع في النصف الثاني من العام. ووفقًا لتقديرات وكالة الطاقة الدولية، قد تواجه السوق فائضًا يصل إلى 2 مليون برميل يوميًا في الربع الرابع، نتيجة تباطؤ الاستهلاك في الصين وزيادة الإنتاج من الولايات المتحدة وكندا والبرازيل وغيانا.
وقد يتسبب ذلك في انخفاض أسعار النفط، حيث يتوقع محللو وول ستريت، بمن فيهم جي بي مورغان وغولدمان ساكس، أن يتراجع سعر برميل برنت إلى حدود 60 دولارًا بحلول نهاية 2025.
مكاسب سياسية وخسائر مالية؟
تراهن السعودية على أن استعادة حصتها السوقية ستعزز نفوذها على المدى البعيد، خاصة بعد أن خسرت جزءًا كبيرًا من سوق النفط لصالح منتجي النفط الصخري في الولايات المتحدة. ومن المتوقع أن يصل إنتاج المملكة في أغسطس إلى 9.756 مليون برميل يوميًا، وهو الأعلى منذ عامين.
لكن هذا التحول في الاستراتيجية قد يأتي بثمن، إذ أن الضغوط النزولية على الأسعار قد تؤدي إلى اتساع العجز في الموازنة السعودية، التي تحتاج بحسب صندوق النقد الدولي إلى سعر يتجاوز 90 دولارًا للبرميل لتغطية نفقاتها الحكومية.
ومع قرارها الأخير، تبدو أوبك+ وكأنها تسير على حافة السكين؛ تحاول تحقيق توازن بين إرضاء الحلفاء السياسيين، والحفاظ على استقرار السوق، وتفادي خسارة الإيرادات. ومع اجتماع جديد مرتقب في 7 سبتمبر، يبقى العالم النفطي في ترقب حذر لما ستكون عليه “الخطوة التالية” لتحالف يواجه سوقًا متقلبة واقتصادًا عالميًا هشًا.